مع احترامي لكل المعتصمين المطالبين والمنادين بإسقاط النظام أو رحيله من الشباب وحسب، الذين خرجوا طواعية دون تحريض أو دفع من أحد، وبإدراك واعٍ لخروجهم أقول مع احترامي لهم إلا أنني أختلف معهم كلياً.. لماذا؟.. لأن الخروج من أساسه لهذا الفعل لم يكن عقلانياً بالمطلق وإنما أتى أساساً كتأثير للآخر العربي في تونس ومصر العزيزتين اللتين كان لخروج الشباب فيهما سبب مقنع..، إلا أننا في مجتمعنا نختلف عنهما بكل شيء.. كيف؟.. الشعب التونسي وفي مقدمتهم الشباب كانت أسباب خروجهم للشارع ومطالبتهم بإسقاط ورحيل النظام مقنعة لغالبية الشعوب العربية، كون النظام التونسي في الأساس كان قمعياً والحريات مقيدة أو منعدمة إن صح التعبير، والديمقراطية التي كانوا يعيشونها كانت شكلية ولا تطبيق لمبادئها ومضامينها المتعارف عليها. كما أنه لا وجود لصحافة حزبية أو أهلية تتمتع بهامش ولو محدود من الحريات, بل كل شيء هناك كان يقابل بالقمع وبتكميم الأفواه وهو ما عبر عنه التوانسة أنفسهم بعد نجاح ثورتهم وإسقاط النظام. أما في مصر التي كانت أكثر انفتاحاً في الجانب الديمقراطي عن تونس إلا أن الحريات كانت مقموعة أصلاً إلا فيما تم السماح به من النظام نفسه.. وقد يكون لهذا القمع أسباب مرتبطة ليست بالديمقراطية وإنما بالأمن القومي المصري الذي ظهر متشدداً كثيراً لا سيما مع الإخوان المسلمين. أضف إلى ذلك؛ كانت الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة سبباً لإشعال الثورة لما شابها من تزييف وتزوير واضحَين من جهة، وفي ظل غياب الرقابة الحقيقية سواء المحلية أو الدولية من جهة ثانية. كما أن حكومة الحزب الحاكم هناك والتي أسندت مهامها لإقطاعيين من رؤوس الأموال هي سبب آخر لإشعال الثورة.. فجميعهم كانوا بعيدين عن الشعب وتفرغوا لتنمية رؤوس أموالهم على حساب الشعب نفسه في ظل غياب تام للأجهزة الرقابية والمحاسبية. وهناك أسباب أخرى أيضاً كانت وراء ثورة الشباب في مصر ومنها جوانب الفساد في الجهاز الأمني المصري وتعامله السيئ مع الشعب. ولكن في بلادنا هل نحن حقاً بحاجة إلى إشعال ثورة والمطالبة بإسقاط النظام؟.. هذا السؤال موجه للشباب وليس للأحزاب وعناصرها التي تنطلق من حسابات مصلحية بعيدة كلياً عن مطالب وآمال الشباب وأبناء الشعب. وبصفتي شاب أيضاً وتملؤني رغبة حقيقية في التغيير ومشاهدة بلدي أفضل وأجمل مما هو عليه اليوم سأجيب على هذا السؤال وأقول: نحن لسنا بحاجة إلى ثورة لإسقاط النظام لأسباب واعتبارات عدة، وإنما نحن بحاجة إلى إصلاح حقيقي للنظام ومكوناته وأدواته كافة. قد يصفني الآخر المختلف معي بأنني من أذناب النظام أو “بلاطجة" النظام كما يحلو اليوم للبعض منهم لاسيما القائمين على خطابهم الدعائي والإعلامي المنفلت وغير المنضبط تسمية المخالفين لهم بهذه التسمية ونراهم يعممونها في كل اتجاه، إلا أنني ومع ذلك سأظل مصراً على رأيي لأنه ينطلق من العقل ومن الحكمة التي حبانا الله بها. نعم.. نحن بحاجة إلى إصلاح حقيقي للنظام يتم بموجبه إنهاء الفساد بجوانبه وأشكاله المختلفة ومحاسبة كل عناصره ورموزه أياً كانوا. نحن بحاجة إلى وجود قضاء نزيه وبحاجة إلى جهاز أمني يقظ يكون في خدمة الشعب وليس العكس.. وبحاجة إلى قيادات مسؤولة تدرك أن وجودها هنا أو هناك في مؤسسات الدولة المختلفة هو من أجل الشعب وليس من أجل مصالحها الشخصية والذاتية. وكل هذه الإصلاحات ستتحقق وسترى النور إن أصررنا عليها وانطلقنا من واقعنا وليس من واقع الآخر غير المشابه لنا. لنفكر ملياً أيها الشباب قبل أن نقوم بأية خطوة نقررها.. حتى لا نندم فيما بعد وندرك أن ما قمنا به لم يكن محسوباً بشكل صحيح.. أو أن النتائج التي خرجنا بها من هذا الفعل أو ذاك كانت مدمرة وأضرّت باليمن وأمنه واستقراره. لنعِ أن هناك قيادات حزبية وجدت في هذا الفعل الذي يقوم به الشباب فرصتها لتصفية حساباتها مع النظام ليس من أجل الشباب أو من أجل اليمن وإنما من أجلها أولاً وأخيراً.. وما تحريضها المتواصل اليوم لإشعال الحرائق وتعميم الفوضى وإدخال الوطن في مغبة الفتن المعطلة للحياة إلا دليل كافٍ على ما نقول ونؤكد عليه. الوطن يعاني من إشكالات وتحديات كثيرة وفي المقابل أوضاعنا الاقتصادية سيئة وأي عمل أو فعل لا ينظر للواقع المعيش بمسؤولية ولا ينطلق منه فهو قفز على الواقع، كما يجب أن ندرك أيضاً أن الوطن ليس علي عبدالله صالح, كما أن الوطن ليس هؤلاء الشباب الذين خرجوا يطالبون بإسقاط النظام بل هناك آخرون لديهم رؤية تختلف عن هؤلاء الشباب ويجب احترامها والإصغاء لها أيضاً. الوطن للجميع وليس لشخص أو فئة أو جماعة من الناس.. ولغة العقل اليوم هي من يجب أن تتسيّد على ما عداها من لغات انهزامية لا تستطيع مواجهة الحقيقة.. وليس لدى أصحابها رؤية واضحة للإصلاحات تشارك بها في وضع الحلول والمعالجات لكل الاختلالات الموجودة. لنكن جميعاً مع الوطن.. فالوطن أمانة في أعناقنا ولن يسامحنا التاريخ إن فرطنا بهذه الأمانة.