مع تواصل الاعتصامات في دوار صحار، ومحافظة ظفار، وساحة الشعب في مسقط، وجعلان وصور، وعبري وشناص، ولوى وبقية ولايات السلطنة، تتواصل الاتهامات بجرّ البلاد إلى حالة من الانقسام والاحتقان والتمزق وعدم الاستقرار بين المعتصمين وشريحة من المواطنين وآخرين تقول المعلومات إنهم من رجال الاستخبارات العمانية، الذين يدافعون باستماتة عن المؤسسة الأمنية في البلاد بقيادة الفريق أول علي بن ماجد المعمري رئيس المكتب السلطاني، والفريق مالك بن سليمان المعمري المفتش العام للشرطة والجمارك.
من اعتصامات المتظاهرين في مسقط وفيما أصبحت المؤسسة الأمنية في دائرة الضوء، يجاهر المعتصمون بضرورة رحيل قطبيها في أي تشكيلة وزارية جديدة قد يعلنها السلطان قابوس في الايام القليلة القادمة، بعد ان أبقى المرسوم الذي اصدره قبل عدة ايام، والذي اثار جدلاً في أوساط العمانيين الوزارة الجديدة على نفس الوجوة السابقة مع تغيير الحقائب.
واعتبر العديد ممن اطلعت "العربية نت" على آرائهم أن قطبي الامن الفريقين (علي ومالك) هما المتسببين في حالة احتقان الشباب العماني الذي يمثل 70% من نسبة السكان في البلاد، بقبضتهم الحديدية على شؤون البلاد ومفاصل الدولة في العشر سنوات الاخيرة، وتدخلهما المباشر في تعيين الوزراء من غير ذوي الاختصاص على رأس وزارات خدمية كالاسكان والتعليم وغيرها من الوزارات.
وعلى الرغم من الغضب الذي سببه إقدام البعض على إحراق بعض المنشآت العامة والخاصة في صحار كرد فعل مباشر على مقتل الطالب الجامعي عبدالله الغملاسي على أيدي رجال الشرطة في اليوم الثاني من الاعتصام وإصابة آخرين بجروح مختلفة، إلا أن معظم العمانيين يجمعون على أن اعتصام صُحار هو من أجبر نظام الحكم على الاستجابة الفورية لبعض المطالب التي كانت محور حديث العمانيين في السنوات الاخيرة.
وتشمل المطالب المذكورة توفير 50 ألف وظيفة فورية في القطاعين العام والخاص براتب شهري بمبلغ 150 ريالاً لكل باحث عمل لحين إيجاد وظيفة مناسبة له، وفصل الادعاء العام عن جهاز الشرطة وإعطاءه الاستقلالية التامة في ادراة شؤونه بعيداً عن هيمنة المفتش العام للشرطة والجمارك عليه، وتفعيل الرقابة المالية والادارية على أجهزة الدولة، وإعطاء المزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى العماني، واختيار أربعة من أعضائه لشغل حقائب وزارية في الدورة القادمة. السلطان يلتقي بأعضاء مجلس الشورى وأكد السلطان قابوس خلال لقائه مع أعضاء مجلس الشورى، وفقاً لبعض المصادر التي حضرت اللقاء، أن الحكومة أغفلت فئة الشباب الذين ازداد عددهم ليشكلوا الشريحة الكبرى في المجتمع العماني، ووعد بأن مسار التنمية القادمة سيركز بالدرجة الاولى على هؤلاء الشباب وتأمين مستقبلهم، من خلال توجه السلطات إلى إعادة التفكير في الخطة الخمسية الحالية التي تم الاعلان عنها بداية هذا العام، وكانت تشتمل على بناء العديد من المشاريع الضخمة كالمطارات والموانئ ومركز المؤتمرات الضخم الذي يتكلف ما يزيد على المليار ونصف المليار دولار، والأخير كان مسار حديث العمانيين في الآونة الاخيرة، خاصة أن الخطة لم تول اهتماماً حقيقياً بالتعليم وإنشاء جامعات جديدة وتم الاكتفاء بالجامعة الوحيدة وهي جامعة السلطان قابوس.
وتركزت مطالب المعتصمين في الولايات على تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتعويض المتضررين من إعصار "فيت" الاخير والاهتمام بتنمية ولاياتهم أسوة بحواضر المدن والعاصمة مسقط، إلى جانب المطالب السياسية التي تدعو إلى مزيد من المشاركة الشعبية في صنع القرار والدستور التعاقدي وتشكيل وزاري مع كل خطة خمسية بحيث يكون معظم الوزراء من التكنوقراط والمتخصصين ذوي الشهادات العلمية العليا، مع تعيين رئيس للوزراء يكون مسؤولاً أمام السلطان والشعب في تنفيذ خطة التنمية بجوانبها المختلفة، واحتفاظ السلطان قابوس بالحقائب السيادية.
ويدعو المتعصمون إلى استقلالية القضاء وتنقيته من جوانب الفساد الحاصل في الفترة الاخيرة، والعمل على تأسيس دولة مدنية متحضرة والفصل بين السلطات فصلاً كاملاً على أن يكون الشعب مصدر السلطات، والسلطان هو المرجع لكل هذه السلطات، والبدء في بناء السلطنة الدستورية التي تضمن استمرار الحكم بشكل دستوري سلس ودون تعقيد، كما هو الحال في الكتاب الابيض الذي يعتبر الدستور الحالي للبلاد بما يحقق مستقبل أجيال القادمة في ظل التحولات التي يشهدها العالم العربي. الفساد المالي والإداري وفي نقاشات أجرتها "العربية.نت" أجمع المعتصمون في مختلف الولايات وآخرون من الشباب المثقف على أن الفساد المالي والاداري الذي ينخر مختلف جوانب الحياة في سلطنة عمان هو السبب المؤدي إلى الانفجار الشعبي الذي تشهده مختلف ولايات السلطنة والذي قد يمتد الى ولايات أخرى في الداخل.
وقال البعض إن ملكيات الاراضي بمختلف أنواعها وأشكالها، والعطايا المالية الضخمة على شكل هبات، انهالت على رموز الجهازين الامني والاقتصادي، إلى درجة أنه لم يبق للعمانيين مكان سوى العيش خارج المناطق ذات الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء في أطراف مدينة العامرات والمعبيلة ليُفسحوا المجال أمام القادمين من وزراء وكبار الضباط والمسؤولين من ذوي الملايين الذين استحوذوا على أراضي الدولة بمئات الآلاف من الامتار المربعة في مسقط وبقية المدن العمانية، خاصة الشواطئ والمرتفعات الجبلية الرائعة ليهنأوا بطيب العيش بعيداً عن سخط الفقراء من أبناء جلدتهم الذين ازداد عددهم في السلطنة في الآونة الاخيرة ليشكلوا حوالي ثلث السكان كما يقول المعتصمون.
وما يثير الدهشة لدى العمانيين حسب المعتصمين في ساحة الشعب بمسقط، ذلك التوزيع الممنهج لمثلثي الحكم في الجهاز الحكومي للدولة حيث يتربع على عرش الجهاز الامني للدولة قبيلة المعمري، وهي من منطقة الباطنة التي تشهد اكثر الاعتصامات ضخامة، فيما تتربع على عرش الاقتصاد عائلة ذات طبيعة متشابهة في المرجع والمذهب وهي من العاصمة مسقط، ولكل من الفريقين الامني والاقتصادي اختيار من يرون من الوزراء الذين يدينون بالفضل في نهاية المطاف إلى قمتي الهرم في الجهازين الامني والاقتصادي، في ظل غياب شبه تام لأبناء عم السلطان قابوس الذين يشهد لهم العمانيون بالقدرة والمعرفة العلمية والثقافة العالية. الآلاف يبحثون عن عمل وما آثار ذهول السلطان قابوس، حسب بعض المراقبين، الاعداد الضخمة التي تسارعت لتسجيل أسمائها كباحثين عن العمل للحصول على المبلغ الشهري والذي أعلن عنه السلطان وهو 150 ريالاً عمانياً لكل عاطل عن العمل لحين إيجاد وظيفة مناسبة، وهو ما يعادل قرابة 390 دولاراً تقريباً.
وتنافست أجهزة الاعلام العمانية من اذاعة وتلفزيون وصحافة في إبراز هذا المشهد ليكون شاهداً على ما آل اليه الوضع في السلطنة، حيث سجلت مراكز وزارة القوى العاملة بمختلف الولايات ما يزيد على 150 الف مواطن ومواطنة من مختلف الاعمار في بلد لا يزيد عدد سكانه من العمانيين على مليوني نسمة.
وأكد معلمون ل"العربية.نت" كانوا ضمن المعتصمين، وجود كوارث حقيقية في التعليم والأسلوب المتبع لوزارة التربية والتعليم برئاسة الوزير السابق والمسؤول الامني الاستخباراتي يحيى بن سعود السليمي، حيث يتم اختيار ذوي المؤهلات العلمية الضعيفة لتدريس طلاب المرحلة التأسيسية من الصف الأول حتى الصف السادس الابتدائي.
وقالوا إن عدم تطبيق نظام عدم رسوب الطالب في المراحل التأسيسية جعل المستوى التحصيلي للطلاب متدنياً للغاية، الأمر الذي شكل إرباكاً حقيقياً للمعلمين في المراحل المتقدمة بافتقار الطالب لأي قدرات تحصيلية. الوزراء يستغلون ثقة السلطان وقال بعض المعتصمين الذين التقتهم "العربية.نت" إن أعضاء الحكومة من وزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين يستغلون ثقة السلطان قابوس ببعض كبار المسؤولين، ويسيئون التصرف والانجرار نحو مصالحهم الخاصة مع ترك الشباب يعانون من ضيق الحال في التعليم والعمل والاستقرار المعيشي والزواج والمسكن، ما اضطر البعض الى البحث عن العمل خارج البلاد في بعض دول الخليج في ظل ظروف قاسية وصعبة للغاية.
ومع محاولات الحكومة والجهاز الأمني تشوية صورة المعتصمين وتحويل المشهد الاعتصامي السلمي إلى محاولات تخريب، والتركيز على هذا الامر من خلال وسائل الاعلام العمانية المختلفة مستغلين سيطرة الحكومة على أجهزة التلفزيون والاذاعة والصحافة لتمرير برنامجهم، حسب ما يقوله المعتصمون، فإن حالة الإرباك تسود الشارع العماني الذي ضاق ذرعاً بما يحدث وأصبح الحديث عن المعتصمين محل جذب ونقاش بين العمانيين لدرجة الصراخ والتشنج في بعض الأحيان بين مؤيد ومعارض.