إلى ياسين سعيد نعمان: غيث شعرك الأبيض يمطرنا عنفوانا وثورة. بكل شبق الحرمان الطويل من مزاولة السلطة وشهوة الوقوف على رقاب الجماهير والهوس بفتح صنابير لعاب الخطابة على رؤوس الحشود وإمتطاء المنصات والمنابر وسلخ الظهور بسياط الزعامة الزائفة. بكل كبت سنين التقاعد السياسي ورتابة الحياة على هامش المشهد وعفن الأنزواء في مقرات لايزورها الضوء ولاتلفت لافتاتها نظر الناس المرفوعة بإسمهم. بكل هذا الكم الحبيس والمكبوت من الشبق والهزل النفسي والهذيان الفارغ داخل برك الهواجس المغلقة وخارج نهر التاريخ والوقت والواقع هجم الآباء الحزبيون الأزليون على ثورة الشباب واقتحموا الساحات الممهورة بالدم ليقرفصوا كديناصورات فوق أجساد جيل تفوق تاريخيا وأخلاقيا عليهم وثار في وجه نظام لطالما سفحوا احلام الكادحين قرابين ترضيات على مذبحه. فجأة صبغت كائنات القرن الأول الهجري شعرها ودهنت مفاصلها المنخورة بالنقرس وأرتدت ال(تي شيرت) وغادرت توابيت العجز المزمن ومتاحف الوهم والمصحات النفسية ودور المسنين لتندس بين طلائع القرن الحادي والعشرين وسرعان مافضحتها أدمغتها المتكومة مثل نخالة في تجويف الجماجم وتكسرت عكاكيز دعاواها الهشة على محك الفعل الثوري. كما يدخل عجوز ثري خدر حسناء فقيرة، دخل تماسيح الأحزاب ساحات الثورة لايراهنون على غير محافظ مالية متخمة أرادوا لها أن تواري سوأة الأدمغة الفارغة.. وبدأ الطاعنون في السن يطعنون في أعراض الشباب الثائر ويوزعون قرارات الإدانة المرتجلة وصكوك الغفران ويمطرون الساحات بلعاب الشائعات المصوبة في إتجاهات مدروسة وعلى صدور أكثر طهارة وبياضا من لحى أكثرهم. كالعاده يصل أبوسفيان في الوقت الضائع ليحسو عرق بلال بن رباح نخبا لإنتصار الثورة دون أن يجهد كرشه المتكور بحمل حصاة كفاح.. في الأسبوع الأول قال كهنة المعارضة بنبره متملقة وسحنات متهدلة:نحن نقف خلف الشباب ولا نقودهم وفي الأسبوع الثاني كان الخلف قد أصبح أماماً وإماماً وخطيباً ومفتياً يقود ويتكسب ويرتزق ويحاور ويناور بإسم ثورة الشباب ويزعق ناطقه الرسمي الذي لايجرؤ على مغادرة مخبئه ليتبول:(سنزحف إلى غرفة نوم الرئيس إذا لم يغادر..!) هذا التكافؤ بين كهنة السلطة والمعارضة في السفالة والإنتهازية والقبح ودهس أحلام الناس في مضامير السجالات القذرة وحروب الفتات هو عصب حياة نظام صالح الذي ثار عليه الشباب ولا مناص من أن يسقط دفعة واحدة حتى يتسنى للبلد أن يتنفس وينهض على رافعة قيم إنسانية جديدة ويخرج من خانة (المزاد والعرصة) إلى فضاء وطن يعيش على الطاقات الخلاقة لأفراده ولايعتاش بإسم عاهاتهم . لاخيار حين تتمزق فردة واحدة من حذائك سوى أن تستبدل الفردتين معاً مهما بدت الفردة الأخرى صالحة للإنتعال. ليس علينا أن نشعر بالأسف ونحن نشاهد الحزب أو الائتلاف السياسي الذي انحزنا إليه وقامرنا ببيض احلامنا كلها في سلته,يتعرى من كل فضيلة ووقار ويتواطأ مع المخبرين والشواذ والقتلة والمرتزقة ليسطو على حليب الأطفال وملابسهم الداخلية ويتاجر بأعضائهم ويشحذ بإسمهم ويصادر دفاتر رسومهم بذريعة أنها غير مرخصة وتسيء (لأخلاق البطريركات والكهنة). ليس علينا أن نشعر بالأسف حين تنهار الصروح التي قدسناها على محك أول إختبار عملي وحين نبحث في ملامح أنبياء المعارضة عن فروق تميزها عن ملامح شياطين السلطة فلا نعثر إلا على نسخ متطابقة تنصب المشانق (للمندسين)دون محاكمات وتقتحم المنازل دون إذن نيابي وتنتزع الإعترافات بكعب الأحذية الضخمة والقبضات والكرابيج .. وتصادر الأقلام وعدسات الكاميرا وتبتر أصابع الصحفيين وتفقأ عيون المصورين بالوحشية ذاتها ولنفس الذرائع. أدرك أنني بنشر هذا الغسيل أرتكب الأن خطأ جسيماً في نظر تلك الشريحة التي تؤمن بأن النظافة هي أن تكدس الجوارب المتسخة تحت وسادة النوم والشرف أن تبرع في إخفاء عهرك قدر براعتك في كشف عهر الأخرين. تلك الشريحة من كائنات الأقبية وسحالي الحجور التي أرغمتها ثورة الشباب على الخروج من المخابيء اللزجة والمعتمه فراحت تحاكم الضوء بإعتباره مؤامرة أجنبية وثورة مضادة تستهدف أحداقها المطفأة. أدرك أنني أرتكب خطأ فادحاً إذ أرفض مداراة ((ض.. المرجعيات بالنحنحه)) وأكفر بمبدأ(( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )) كما أعجز عن أن أرى في دهس كرامة إنسان _أياً كان_ مجرد تجاوزات ..أدرك هذا الخطأ وأعتز به وأريد له أن يكون فادحاً. وهل الثورات إلا حصيلة الأخطاء الفادحة والعظيمة التي أقترفها المنبوذون على مر التاريخ؟! أخطاء زعزعت سكينة الصواب المقدس المعبود وحررت جبهة الإنسان من وشم السجود للقياصرة وأدعياء المطلق. أتذكر بكثير من القرف ذلك الهتاف الذي دوى في الساحات عشية إعلان *علي محسن الأحمر* تأييده لثورة الشباب:((الشعب خلاص أسقط النظام)) حينها راح الكهنة الكافرون بقوة الشارع الأعزل والمؤمنون بالمدرعات المشحمة بعرق الكادحين يتبادلون التهاني لهذا النصر الذي تحقق بانظمام سيف الله المسلول إليهم. لم يكن النظام قد سقط بالفعل لكن ثقتي الهشة أصلاً في أن ينجح كهنة المعارضة في الإلتحام بالشارع تلاشت تماماً وحل محلها يقين قوي بأن الثورة لا أكثر من صفقة في حساب مرجعيات المعارضة وإن رفض الشباب وتمردهم ووثبهم فوق أسوار الحظائر المضروبة حولهم صوب التصعيد والحسم هو الثورة الحقة التي تتفق بنادق القوات الخاصة ومدرعات الفرقة على ضرورة قتلها بتواطء مقيت من قبل السلطات المحلية ومعظم قيادات المعارضة. إن هذه النواة الثورية المتمردة تربك حسابات السلطة والمعارضة على السواء وتنسف كل تفاهمات الفرقاء التقليديين خلف الكواليس لذا فأنهم يسارعون إلى دفن جثامين شهدائها كتعبير سافر للرغبة في وأدها ويلهثون خلف المبادرات قبل أن يجف الدم. رسائل إلى شباب الإصلاح: (ولاتقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً) إلى شباب الإشتراكي: (الحزب ليس قوة في ذاته لكنه يصبح قوة لا متناهية حين يرتبط بآمال الجماهير..) إلى شباب الناصري: (الأيدي المرتعشة لاتقوى على البناء)ولا على الثورة أيضاً إلى ثوار المايكروفونات: في كل مئذنة حاو ومغتصب يدعو لأندلس إن حوصرت حلبُ إلى معاذ المعمري ورفاقه الثوار: هذه آياتنا فأقرأ: بإسم الفدائي الذي أنطلقا بإسم الفدائي الذي خلقا من جزمة أفقا إلى الرائع الرفيق محمد أحمد صبر: (كم كنت وحدك..) إلى محاكم التفتيش: نعم أنا مندس لأنني ثرت على أسوار هذا الحبس لأنني أردت للثورة أن تستطع مثل الشمس لأنني صحت بعلو الصوت لا للدهس لا للهمس فضاق بي من يقتلون الغد باسم الأمس وأطلقوا خلفي كلاباً ينهشون بالحواس الخمس إلى محمد ناجي أحمد قد يلتهم الفار ألاف الكتب