ما حدث بين تنظيم القاعدة والحوثيين في رداع خلال السنتين الماضيتين كان كارثياً، حيث شهدت المدينة عشرات الاغتيالات المتبادلة بين الجماعتين في حرب غير معلنة ، زاد من حدّتها اشتراك العشرات من أبناء مديريات رداع مؤخراً في الحرب التي دارت رحاها في محافظة الجوف بين الإخوان المسلمين والحوثيين (لإيقاف المد الرافضي)، وقيام تنظيم القاعدة بنسف محلات تجارية يملكها حوثيون في مدينة رداع في تحول خطير للصراع المذهبي في اليمن. بعد انتهاء معارك الجوف بين الإخوان والقاعدة من جهة والحوثي من جهة أخرى بانتصار الأخير؛ توقع كثيرون أن تكون رداع بمديرياتها مسرحاً جديداً وأخيراً للمعارك بين الطرفين، لكن توافرت عدة ظروف حالت دون ذلك –مؤقتاً- ورحّلته إلى أجل غير مسمى؛ فتواجد الحوثيين الضئيل في المنطقة وهم من تعتمد عليهم جماعة الحوثيين في معاركها (أعني أبناء المنطقة الموالين لها) إضافة إلى الإنهاك المتواصل لقوات الحوثيين التي خاضت معارك سابقة استمرت شهورا دون توقف،كان له فضل ذلك. لكن السبب الأهم وما يجب الالتفات إليه هو تسارع الأحداث في العاصمة صنعاء بحمل جماعة الحوثيين مطالب شعبية أفضت إلى معارك عسكرية تمكنت -من خلالها- من الاستيلاء على فرق عسكرية بأكملها ثم انتشار مليشياتهم في العاصمة تحت مسمى اللجان الشعبية، هو ما حال دون استئناف المعارك في ميدان جديد بعيد نسبياً عن آخر الميادين (الجوف) شرقاً أو العاصمة شمالاً. وكذلك دعوات التصالح والتسامح المتبادلة بين قادة الإخوان والحوثيين مؤخراً، وذلك لفتح صفحة جديدة لا يكون السلاح أحد مفرداتها. في المقابل فإن جماعة الحوثي تدرك جيداً أن رداع هي أقصى منطقة وصل إليها المذهب الزيدي جنوباً، وهي آخر نقطة محاذية للسنّة ، قد يستدعي ذلك قدوم المقاتلين من بقية مديريات المحافظة للذود عن (مذهبهم من الغزو الجديد). كما تدرك أن فرع التنظيم في البيضاء يُعد ثاني أقوى فروعه في الجزيرة العربية نظراً لوجود بيئة حاضنة مناسبة لنمو التنظيم واتساع نشاطه، وعدم وجود تهديد حقيقي (باستثناء طائرات الدرونز حالياً) يواجه فرع التنظيم هناك، وقد قام التنظيم بعشرات العمليات، إضافة إلى إمداده بقية الفروع بعشرات المقاتلين طوال الفترة الماضية. وفي آخر اختبار حقيقي للتنظيم واجه حملة عسكرية ضخمة مكونة من عدد من الألوية العسكرية والوحدات المتخصصة المسنودة بالطيران الحربي الذي نفذ هجمات صاروخية نهاية عام 2012م، باتجاه معاقل التنظيم في مديريتي ولد ربيع والقريشية. ولم تحقق الحملة أهدافها المتمثلة باقتحام المناسح معقل التنظيم، نظراً للصعوبات الكبيرة التي واجهتها والمتمثل بالاستعداد القتالي الجيد ،كما صاحب معاركها خسائر في الأرواح والآليات العسكرية. لم يكن ذكر محافظة البيضاء في ثاني أهم اتفاقية وقعت عليها مختلف القوى السياسية اليمنية اعتباطاً. فقد ألزمت اتفاقية (السلم والشراكة الوطنية) الدولة بأن تقوم بواجبها في حماية المواطنين في البيضاء، وهذا مما يعيب الاتفاقية، فحماية جميع المواطنين مهمة الدولة أصلاً، ولا يحتاج تضمين ذلك في اتفاقية. ودون أن تذكر من هم هؤلاء المواطنون الذين يجب حمايتهم وشددت على ذلك؛ فنحن نعلم أنها تعني الحوثيين الموجودين في رداع. وجماعة الحوثيين ترى أنه من الواجب حماية أنصارها في رداع والذين تعالت أصوات استغاثاتهم مؤخراً بعد نسف محلاتهم التجارية. تلى ذلك خطاب ألقاه زعيم الحوثيين بتاريخ 23 سبتمبر ذكر محافظة البيضاء مضيفاً إليها مأرب، محذراً من أن قيادات تريد تسليم معسكرات للقاعدة، وربما كان يعني عبدالرب الشدادي قائد اللواء الذي شارك في معارك دارت رحاها بين الحوثيين والإخوان مؤخراً والذي نسبت له تصريحات بهذا الشأن. لا يحتاج الحوثيون اليوم إلا عبوة ناسفة تستهدف متجراً لأحد مناصريهم أو اغتيال أحد قياداته هناك وربما ستتولى ذلك الشائعات التي تقول إن علي محسن موجود في المنطقة ، لخوض معارك شرسة هناك، وبالتالي فإن الكرة في ملعب السلطة التي لا بد أن تقوم بكل الوسائل الممكنة للحيلولة دون ذلك، وإلا فإننا سنشهد معارك ضارية قد تمتد فترة أطول مما نتصور، ومناطق أبعد من رداع بكثير.