اليمن رغم ابتعاده عن (صيرورة تاريخه المتشظي) إلا أنه دخل القرن الحادي والعشرين، وما زال كأطواره القديمة يأخذ قسماته من سمات الحكم أو من دعوات المنتصر، وكلاهما يغيبان اليمن ليصبح كياناً يترجم المشاريع الصغيرة. بعد التوقيع على اتفاق السلم والشراكة ولج اليمن ما يشبه أوضاع مخاض رئيس حكومة لا يكون تعبيراً عن الأطماع التي انتصرت على صالح وانهزمت أمام التجربة وأخفقت عند أول امتحان.. لكن البحث عن رئيس وزراء يكون (شخصية وطنية، كفؤة، محايدة وتمتلك الخبرة والنزاهة) قد أخذ من الجهد والجدل والغربلة، تجدنا أمام قرار غير مبرر تأجيله كل هذا الوقت حداً جعل الناس يتساءلون: إذا كان اختيار رجل واحد لمنصب واحد احتاج لشهر، فكم من الوقت تحتاج الحكومة التي عليها أن تتساءل حكومة من، وماذا تبقى تحت يدها لتدير به دفة الجهاز التنفيذي للدولة؟ فهمنا من التسرع في اختيار بن مبارك أن حسابات الرئيس وابنه جلال قد تمحورت في ضرورة جمع كل السلطات في يديهما، لكن أنصار الله بعناد وفطنة أحبطوا هذا الالتفاف؟! ولكن بعد ذلك كيف أخفقت الأحزاب والرئيس في الفوز برجل واحد تنطبق عليه المعايير المدونة في الاتفاق؟ الرئيس وابنه جلال رصيدا من العلاقات بالشخصيات الوطنية النزيهة، وألا تمتلك الأحزاب من الكفاءات ما يجعلها تضحي به إلى حين لتقدمه كعنصر إجماع وطني؟ الثورة قد تأكل الأشخاص وقد تستولي على محتوى المفهوم. الحقيقة أن أحداث الثورتين (2011-2014م) قد فرضتا على المجتمع اليمني واقعا خطيرا تمثل في حالة التجريف والتدمير المؤسسي والقيمي التي تستند خلف مفهوم الهيكلة للجيش والدولة والجغرافيا حداً طال أخلاق الصحافة وأفسد الحياة السياسية بصورة غير مسبوقة جعلت أمين عام حزب يصدر توجيها لحرسه الخاص لاقتحام قناة حزبه ومصادرة أجهزتها وإيقاف بثها. وهو المحارب العنيد ضد حزبه، لكنه يسيل ليونة ورخاوة أمام الآخر.. أي آخر. هذه الأوضاع كشفت حالة النضوب الوطني وخلو رصيد الشعب من عقول قادرة على التفكير خارج التخندق ضمن متطلبات اللحظة السياسية، حيث لا نرى غير فجور الخصومة تستحضر قبل مصلحة البلد. كل اسم وضع جرى التعامل معه وكأنه (جثة) يعاد تحديد DNA هيكلها السياسي والأخلاقي، وبعد صدور قرار التكليف الثاني توقف الجميع برهة يلتقط أنفاسه وهو يلاحظ شروطا أملتها ثورة 2014م المواجهة لدولة عبدربه 2011م، كيف يتم تفسيرها ومواءمتها وضرورات البحث عن رئيس وزراء استعصى وجوده رغم انحصار البحث في قائمة المحافظات الجنوبية، لنعرف وبكل حزن كم نحن شعب فقير في رصيد قدراته وكم هو عاجز هذا الشعب حتى حين يحاول وضع معيار لا يجد بين صفوف نخبه من هو أهل لها. الآن وجدنا رجلا واحدا أجمع عليه أنه نزيه ومحايد، كيف لهذا النظيف التعامل مع بيئة وسخة؟!