بالأمس تحدثنا عن المعنى الاصطلاحي لمفهوم الدولة الاتحادية التي تتسمّى في الآداب العالمية بالفدرالية، حتى يتسنّى لنا معرفة أهمية مثل هذه الدولة في ظل تحديات العصر، فالدولة الاتحادية وإن بدت قائمة على فلسفة واحدة، إلا أنها ليست واحدة في تفاصيلها. من لطائف هذه الدولة أنها كالعقيق اليماني تحسبه واحداً في كُنهه ومحتواه، ولكنه متعدد تعدد أحجار العقيق، ومن لطائف صوفية اليمن أنهم كانوا يجتمعون على العقيق اليماني .. يقول شاعرهم : على العقيق اجتمعنا نحن وسود العيون ونقول عطفاً على ذلك إن الصيغة الاتحادية للدولة تعني «الجمع في عين الفرق» كم يقول المتصوفة أيضاً، وهذا أمر لا يُشير فقط إلى تعددية أقاليم البلاد، بل ولوحدتها النافلة، ولا يُشرْعن فقط للمواطنة المتساوية عرفاً وأخلاقاً، بل قانوناً مُسيّجاً بحماية الشرعية. الدولة الاتحادية تعني تعدد أنساق وخيارات واحتمالات الأداء والتسيير، وملاحظة أن معادلة الثابت والمتحول في أداء الدولة تقتضي الاحتكام الدائم والمستمر للعقل الجمعي الكفيل بتحديد الخيارات الأفضل، على قاعدة التشارك والتساوي في الحق والواجب. في مثل هذه الدولة تختفي التابوهات الجامدة، كما الأصوات الصارخة المُخاتلة، وفيها تُصبح المواطنة القانونية ركن أركان الهوية والحق والواجب، وفيها تختفي الأعراف الرديئة القادمة من تلاقح مشوّه بين التاريخ والحاضر، وعند تخومها تستعيد اليمن أمجاد ممالك الحضارات القديمة والوسيطة، وفي ثنايا انعطافاتها الناعمة الحميدة ستزدهر البلاد وتختفي ثقافة الكراهية والتنافي وقلة الأدب. المقيمون في مرابع الكراهية والحروب التروتسكية الدائمة، سيتوارون في ظل الدولة الاتحادية التي ستهذب القلوب والعقول من خلال انصراف الناس لما هو أجدى وأنفع من حروب «الأشاوس» الجبناء.