واصل البابا بنديكتوس السادس عشر الذي تعرض لاعتداء في بداية قداس منتصف الليل في قلب كاتدرائية القديس بطرس، الجمعة 25-12-2009، برنامجه لعيد الميلاد بالمباركة البابوبة عند منتصف النهار، فيما نقلت المعتدية، التي أسقطت البابا أرضاً - الى المستشفى. وظهر البابا على شرفة كاتدرائية القديس بطرس وهو يبدو في صحة جيدة بعد الاعتداء الذي تعرض له خلال قداس منتصف الليل، لإلقاء مباركته لعيد الميلاد "الى المدينة والعالم" كما هو مقرر. وأمام ساحة مكتظة بالحشود قال البابا إن المجتمع يتأثر حالياً "بعمق بأخطر أزمة اقتصادية لكن ايضاً أخلاقية بالدرجة الاولى، وبالجروح المؤلمة من الحروب والنزاعات". ودعا الحبر الاعظم الى "استقبال" المهاجرين الذين يدفعهم "الجوع" و"التعصب" او "تدهور" البيئة. وإلى ذلك، تدفق الآلاف من المسيحيين إلى بيت لحم مهد ميلاد السيد المسيح وفقاً للأناجيل، للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد التي تأثرت بالقيود الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي. ووقع حادث الاعتداء على البابا خلال "الزياح" المؤذن بانطلاق القداس الذي أقيم استثنائياً عند الساعة 22,00 (21,00 بتوقيت غرينتش) هذا العام مراعاة لوضع البابا البالغ من العمر 82 عاماً. وقال المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي إن امرأة مجهولة اخترقت الحواجز الأمنية ودفعت بعنف البابا الذي كان يتقدم باتجاه الكاتدرائية رفقة 30 من الكرادلة. وأضاف المتحدث في وقت لاحق "كان اعتداء لكنه ليس خطيراً لأن المرأة لم تكن مسلحة"، مشيراً إلى "رباطة الجأش الكبيرة والسيطرة على الوضع" التي أبداها البابا الذي نهض بسرعة لإقامة خامس قداس في فترة بابويته، وكأن شيئاً لم يحدث. محاولتان للاعتداء على البابا وبحسب لومباردي فإن هذه المرأة "المختلة عقلياً على ما يبدو" كانت حاولت العام الماضي اجتياز الحواجز الأمنية للاقتراب من البابا أثناء قداس منتصف الليل. وأظهرت صور بثتها قناة "سكاي نيوز" بوضوح امرأة ترتدي سترة حمراء وهي تقفز من فوق الحاجز الأمني قبل أن تمسك بالبابا من عنقه وتجذبه إليها متسببة في سقوطه. وتم توقيف المرأة المجهولة وجرى استجوابها من قبل عناصر درك الفاتيكان. ويبدو أنها تعاني من اضطرابات عقلية. وأضاف لومباردي أن الكاردينال الفرنسي روجيه اتشيغيري (87 عاماً) سقط أيضاً أثناء الحادث وأصيب بكسر في عظم الفخذ وأودع مستشفى في روما. البابا يندّد بالأنانية وندّد البابا خلال عظته ب"الأنانية" الفردية والجماعية. وقال "إن الأنانية الجماعية والفردية، تجعلنا سجناء مصالحنا ورغباتنا التي تتعارض مع الحقيقة وتفرق بيننا". وأكد البابا الذي تحدث باللغة الإيطالية الى آلاف الأشخاص الذين حضروا عظته وملايين آخرين تابعوها عبر التلفزيون، أن "النزاعات القائمة في العالم والصعوبات في العلاقات، ناجمة عن انغلاقنا في إطار مصالحنا الخاصة وآرائنا الشخصية في عالمنا الداخلي الصغير". ودعا إلى "التخلي عن العنف" واللجوء إلى "سلاحي الحقيقة والحب فقط". وكان تقديم موعد القداس الذي كان البابا يوحنا بولس الثاني يقيمه دائماً في منتصف الليل حتى في السنوات الأخيرة من حياته، أثار شائعات بشأن الوضع الصحي للبابا بنديكتوس السادس عشر. غير أن المتحدث باسمه الأب فدريكو لومباردي نفاها بداية كانون الأول (ديسمبر) وأكد حينها أن "صحة البابا عادية تماما". وأقيم القداس الجماعي للبابا والكرادلة الثلاثين باللغة اللاتينية وهي اللغة الكونية للكنيسة الكاثوليكية، في حين تليت الصلوات التي تخللته بالإيطالية والفرنسية والروسية والفلبينية والبرتغالية. آلاف المسيحيين يحتفلون بعيد الميلاد في بيت لحم الاحتفالات في كنيسة المهد وفي بيت لحم، تدفق الآلاف من المسيحيين إلى مهد ميلاد السيد المسيح وفقا للأناجيل، للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد التي تأثرت بالقيود الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي. وأعلنت فرقة من الكشافة، بالمزامير والطبول، بدء الاحتفالات في الساحة المقابلة لكنيسة المهد حيث سادت أجواء احتفالية وانتشر باعة التذكارات والايقونات والمسابح وخشب الزيتون وغيرها من الرموز الدينية، في حين كان مئات من الزوار ينتظرون دورهم لدخول مغارة مريم حيث يعتقد أن المسيح ولد.
وبلغت هذه الاحتفالات ذروتها منتصف ليل الخميس إلى الجمعة مع قداس منتصف الليل الذي أقامه بطريرك اللاتين فؤاد طوال في كنيسة القديسة كاترين المجاورة لكنيسة المهد، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض وممثلي البعثات الدبلوماسية في المدينة المقدسة. وقال طوال في عظة القداس "باسم جميع أبناء ابرشيتي الموجودين في الأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص، ومن بيت لحم التي ولد فيها السيد المسيح، أتوجه لجميع المؤمنين في العالم أجمع، وأتوسل إليهم أن يصلوا من أجل هذه الأرض المقدسة، فلا زالت هذه الأرض في ضيق وعسر، ولا زال قاطنوها إخوة أعداء، فمتى يعرف الجميع أن لا قدسية لأرض ما لم يتقدس الإنسان فيها ويوجد عليها الحرية والعدل والحب والسلام والأمن". وقال المكسيكي جوان كروز (27 عاما) الذي يزور بيت لحم لمناسبة عيد الميلاد، في تاثر "هذا المكان شهد ولادة الابن الذي وهبه الله لنا (المسيح) ، إنها لحظات مؤثرة بالنسبة إلي، أن أكون بين أبناء طائفتي". وقد أعطى تدفق الزوار المسيحيين للسنة الثالثة على التوالي إلى بيت لحم، دفعا لاقتصاد هذه المدينة بعدما تأثرت سلبا بتداعيات الانتفاضة الثانية التي اندلعت في 2000، وأدت إلى تجنب الأجانب زيارتها. وقال رئيس بلدية بيت لحم فيكتور بطارسة "نحن نستعد لاستقبال الحجاج بالفوانيس والزينة، لكن مدينتنا الصغيرة التي يفترض أن تكون رمزا للحب والسلام، ما زالت تنتظر السلام". حواجز عسكرية غير أن مظاهر الهدوء التي تعم المدينة، وامتناع القوات الإسرائيلية عن دخولها، يعكرها استمرار وجود الحواجز العسكرية على مداخلها والجدار الذي يفصلها عن القدس الشرقية المحتلة، وهي أمور تعيد التذكير باستمرار الاحتلال. وتعتبر اسرائيل الجدار الفاصل الممتد على 700 كلم "سياجا ضد الإرهاب"، فيما يرى فيه الفلسطينيون "جدار فصل عنصريا". وقال الكندي ستيفان بيكماير (22 عاما) "كنت أعلم بوجود الجدار غير أن القدوم إلى بيت لحم ورؤيته على حقيقته، أمر مختلف". وأضاف "إنه لمن المحزن أن يعيش الناس خلف الجدران وأن يضطروا للمرور عبر نقاط تفتيش أمني باستمرار". وقال بطارسة إن المسيحيين الذين كانوا يشكلون أغلبية سكان بيت لحم وضواحيها البالغ عددهم 180 ألف نسمة، لم يعودوا يمثلون إلا 20 بالمائة من السكان مشيرا إلى أن 280 أسرة غادرت المدينة في السنوات الثلاث الماضية. 1.6 مليون سائح وقالت وزيرة السياحة الفلسطينية خلود دعيبس إن عدد السياح الذين تقاطروا إلى بيت لحم بلغ 1,6 مليون في 2009. وتوقعت الوزيرة أن يبلغ عدد زوار المدينة في الميلاد 15 ألفا. إلا أن تدفق السياح يفيد إسرائيل بالدرجة الأولى، إذ أن معظم زوار المدينة يقيمون خارج الضفة الغربية، بحسب الوزيرة أيضا. وكما في 2008، سمحت السلطات الإسرائيلية لنحو 300 مسيحي من قطاع غزة، من أصل 2500 مسيحي لا يزالون يعيشون في القطاع، بالاحتفال بالميلاد في الضفة الغربية والإقامة فيها في موسم الأعياد، كما قال الجيش الإسرائيلي. وفي عظة الميلاد الثلاثاء، أسف بطريرك القدس للاتين لفشل عملية السلام في الشرق الأوسط، محذرا في الوقت ذاته من أي شكل من أشكال اليأس. وقال البطريرك فؤاد طوال (68 عاما) "على الرغم من الجهود المشكورة من قبل السياسيين وذوي النوايا الحسنة لإيجاد حل للصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن الواقع الأليم يتناقض مع أحلامنا". وندد البطريرك طوال، وهو يعتبر السلطة الكاثوليكية العليا في الأرض المقدسة، باستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، والحصار المفروض على قطاع غزة، والأحداث التي وقعت مؤخرا في القدس الشرقية. وتضم أبرشية البطريرك طوال نحو 70 ألف كاثوليكي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن وقبرص. وفي 11 كانون الأول (ديسمبر) وجهت شخصيات فلسطينية مسيحية بارزة نداء إلى المجتمع الدولي وإلى كنائس العالم تنتقد "واقع الاحتلال الإسرائيلي" وتعتبره "خطيئة بحق الله والإنسان".