يرجع وصول دعوة الإخوان المسلمين إلى الجانب الشرقي من القارة الإفريقية إلى أواخر النصف الأول من القرن الماضي؛ فتعتبر جيبوتي ثاني محطة للإخوان بعد بلد المنشأ مصر عام 1933(جريدة الإخوان المسلمين الصادرة يوم 24- 6- 1933) إلا أن ذلك لم يحظ بالاهتمام اللازم من قبل الباحثين والدارسين. وفي الصومال حالياً ثلاثة تيارات إخوانية وهي جماعة الوحدة والتي تأسست في الشمال في بداية الستينيات، وحركة الإصلاح الممثلة بالإخوان الدولي في الصومال والتي تأسست أواخر السبعينيات، وجماعة التجمع الإسلامي، كما يوجد في كينيا مجموعة الجماعة الإسلامية والتي انشقت عن الإصلاح عام 1982. لكن وصول الشيخ محمد معلم حسن إلى الصومال في العام 1968 عائداً من الأزهر الشريف يمثل الانطلاقة الحقيقية لفكر الإخوان في الصومال. وأصبح الشيخ أميناً للمكتبة الإخوانية ومدرساً في الحلقات العلمية في المساجد، ويلقي دروساً في تفسير القرآن بشرحه كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، حتى اصطدم بالسلطات المحلية التي زجت بالشيخ إلى السجن لعدد من السنوات. وبدأ الشباب ينضمون إلى التنظيم الجديد بدلاً من تنظيم الإخوان وأصبحت الصومال ساحة مفتوحة للتيار السلفي، لأسباب منها: - الدعم السخي الذي كان يتلقاه التيار السلفي من السعودية والتي كانت تكفل الطلاب الخريجين من جامعاتها كدعاة في بلدانهم. - الفكر السلفي أكثر مرونة من الفكر الإخواني إذ يركز على المظاهر السلوكية، وحيث من الممكن أن يصبح المرء سلفيا من خلال تعديل بسيط لمظهره وعبر حلقات المساجد بينما إجراءات التجنيد لدى الإخوان تحتاج فترة من الزمن، وعبر نظام روتيني مع فقرات منهجية مقررة على المجندين . - كثيرا من كوادر الإخوان في الصومال تخرج من السعودية وعاد إلى الصومال مبعوثا من دار الإفتاء السعودية وساهم بشكل فعال في نشر الفكر السلفي من حيث يدري أو لا يدري. في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ظهر على النظام الاشتراكي في الصومال بوادر الشيخوخة وعوارض الموت الوشيك؛ واجتمعت عليه أزمات سياسية واقتصادية، جعلته يتراخي، ويفقد السيطرة الكاملة على مدن ومناطق خارج العاصمة مع تصاعد النشاط المسلح للمعارضة القبلية، مما يعني الضوء الأخضر للتنظيمات الإسلامية السرية لكي تستغل الهامش المتاح عبر الثغرات الأمنية للنظام الحاكم المترهل. دخلت الصومال حرباً أهلية وانهار نظامها الحكومي، وقتل أناس أبرياء، وتعرض الأحياء منهم لموجة جفاف أكلت الأخضر واليابس؛ لكنها أصبحت مفتاح لكثير من الحركات والتيارات الإسلامية لنشر برامجها الدعوية والسياسية وحتى العسكرية، وانتشرت مظاهر الصحوة الإسلامية وبالنسبة لحركة الإصلاح فإن هذه الفترة تمثل العصر الذهبي لها ، حيث تمّ إعادة تأسيس الحركة وافتتاح مراكز لها في معظم المناطق الصومالية وتوسع نشاطها وارتفع عدد أعضائها في الداخل إلى الآلاف. وتنقسم الحركة جغرافيا إلى ستة أقاليم حسبما هو متعارف في داخل الحركة، هي: الجنوب، شمال الغربي، شمال الشرق، جيبوتي، الصومال الغربي (أوغادين)، وكينيا وكان إقليم الجنوب أكثر الأقاليم نشاطاً حيث وصل عدد الأعضاء فيه خمسة آلاف (حسب الإحصائيات الرسمية للحركة عام 1999) ويليه جيبوتي كما أن بقية الأقاليم للحركة كانت تشهد نشاطاً دعوياً متميزاً للحركة، ورغم أن الحركة وحسب توزيعها الجغرافي تمثل القرن الإفريقي كله لكنها أصبحت، حركة صومالية بحتة ويُرجع كثير من الخبراء هذا الأمر إلى غياب رؤية إستراتيجية ناضجة للمنطقة من قبل قادة هذه الحركة ومن الإخوان الدولي الذي بارك ذلك الأمر. وبما أن الحركة صورة مصغرة عن المجتمع الصومالي، فإن بداية الانحراف البسيط وغض الطرف عنه والتلكؤ عن سرعة علاجه، والتلاوم عند استفحاله وتجاوزه مراحل الحل والعلاج دأْب صومالي أصيل؛ فمنذ تأسيس الإصلاح المثير للجدل قبل ثلاثين عاما، لم تكن هذه الحركة سليمة من الآفات الفكرية والتنظيمية والإدارية، لكن لحاجة في نفس يعقوب كان الجميع يحاول غض الطرف عما بدا له من أوضاع غير طبيعية، حتى تحولت هذه الأوضاع غير الطبيعية إلى شيء طبيعي مألوف، وأصبحت فيما بعد أي محاولة للتصحيح منكراً تجب محاربته بحسب الاستطاعة، وغالباً ما تنتهي هذه المحاولات بفصل أو انفصال أصحابها من الحركة. وفيما كانت الحركة تغرق في الانقسام أجريت انتخابات في 2003 التي قضت على ما تبقى من تماسك تنظيمي للحركة، إن إجراء الانتخابات وتجديد الدماء في شرايين الحياة للمجالس الإدارية المختلفة لأي مشروع، يعتبر تطورا نحو الأمام ونضوجا حضاريا للقائمين عليه، لكن هذه الخطوة قد تتحول إلى وبال على المشروع وأصحابه عند ما تصبح عملية الانتخابات إلى مجرد طقوس تتكرر عبر فترات من الزمن، أو عندما يتم إجراؤها لأجل التباهي والتفاخر فتصبح ترفاً. كانت الانتخابات في الحركة الإسلامية في الصومال في بداية أمرها تشمل المراقب العام وحده، وعبر مجلس الشورى فقط، بينما كانت بقية الهيئات الإدارية تتم بالتعيين ومنذ عام 1995 اهتمت الحركة بعملية إجراء الانتخابات في دوائرها المختلفة ابتداء من مجالس الأقاليم وانتهاء بمراقب الحركة، وتوسيع المشاركة في حق التصويت والترشح إلى جميع الأعضاء العاملين (العامل مرتبة حركية) مع وجود بعض الشروط المحددة للمصوتين والمرشحين. وفي الفترة ما بين 24-28 ديسمبر/كانون الثاني 2007 انعقد مؤتمر شارك فيه أربعون من قيادات الحركة في الداخل والخارج وبعد أربعة أيام من المشاورات صدر من الاجتماع عدد من القرارات منها: (1) إعفاء المراقب العام ونائبه من منصبيهما لعجزهما عن أداء مهامهما والقيام بواجباتهما. (2) حل جميع المجالس الشوروية والتنفيذية للحركة: مجلس الشورى المكتب التنفيذي والمؤتمرات الإقليمية. (3) تعديل النظام الأساسي واللوائح الداخلية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة. (4) إعادة تكوين المجالس الشوروية والتنفيذية للحركة: مجلس الشورى المكتب التنفيذي والمؤتمرات الإقليمية وانتخاب المراقب العام للحركة ونائبه ورئيس مجلس الشورى ونائبه من قبل المؤتمر العام. (5) وقوف الحركة بجانب الشعب الصومالي في مقاومته للاحتلال الإثيوبي. انتخب المؤتمر العام الشيخ عثمان إبراهيم مراقباً عاماً للحركة والأستاذ سليمان شيخ عبد الله موسى نائباً له، كما انتخب المؤتمر العام الدكتور محمد احمد الشيخ علي رئيساً لمجلس الشورى والأستاذ عبد الرشيد يوسف جاح نوغ نائباً له. نستنتج من الأزمة في داخل حركة الإصلاح، وجود تمايز في المواقف والرؤيا لقضايا الساحة ويبدو أن الفجوة الفكرية بين الطرفين في داخل الإصلاح أكبر مما يتصور فأصحاب المبادرة الجديدة، والذين أعلنوا بعزل القيادة السابقة واختيار الشيخ عثمان إبراهيم مراقباً انتقالياً لسنتين قادمتين، يتجهون نحو التشدد والراديكالية في المواقف السياسية تجاه القضايا الوطنية العامة، بينما مجموعة المراقب المقال والتي يقودها حاليا دكتور علي باشا عمر تتجه نحو مزيد من الاعتدال والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يصفها بتنظيم إسلامي يسعى إلى الحكم. ورغم أنه لم يبذل الجهد المطلوب بالنسبة للمشكلة الصومالية فإن تنظيم الإخوان الدولي في أوروبا واليمن والخليج حاولا التدخل وممارسة الضغوط على أطراف مشكلة الإصلاح في الصومال. إلا أن هذه المحاولة لم تُجدِ نفعاً، لأن مكتب الإرشاد في مصر لم يكن محايدا بل كان منحازاً إلى جانب القيادة المقالة، بدعوى مراعاة الشرعية، وحسب وثائق اجتماع لمكتب الإرشاد والإخوان الدولي في تركيا في يناير/كانون الثاني 2009 ونشرت عدد من وسائل الإعلام محتويات هذه الوثيقة وكان منها قرارات تخص الشأن الصومالي.