كنت أتمنى لو كانت الأخبار التي تناثرت هنا وهناك عن عودة الرئيس الأسبق على ناصر محمد لبلده اليمن صحيحة، كما كنت أرجو ولا زلت أن تكون دعوة السيد الرئيس على عبد الله صالح له للعودة أيضا صحيحة وتتم إجراءات العودة بطريقة علنية وشفافة وباتفاق يضمن توحيد كل الجهود الطيبة من أجل وأد الفتنة التي تذر قرنها في اليمن، والتي أدت أحداثها الأخيرة لسقوط الضحايا واستمرار حالة الغليان في محافظات الجنوب. في لقائي بالرئيس على ناصر محمد قبل عامين أثناء حفل استقبال بمناسبة ثورة يوليو المجيدة في بيت السفير المصري السابق بسورية السيد حازم خيرت تعمدت أن أطرح على سيادته سؤال الوحدة الذي فرضه تصريح غير مؤكد في حينه للسيد حيدر أبوبكر العطاس رئيس الوزراء السابق والقيادي البارز في الحزب الاشتراكي اليمني قبل الوحدة وبعدها يقول فيه أن الوحدة كانت خطأ وأنه يدعو للإنفصال.
وقامت الدنيا ولم تقعد يومها ضد الرجل وما يمثل، وقد أجابني الأخ علي ناصر محمد بتأكيد موقفه الحالي حول ضرورة الوحدة وأهميتها لليمن، ودافع عن موقف الاشتراكي بالقول أن هدف الوحدة اليمنية كان دوماً في رأس سلم أولويات الحزب وقيادة اليمن الجنوبي قبل الوحدة الاندماجية التي أنجزت عام 1990. ويومها اتفقنا على لقاء آخر بناءً على طلبي بعد أن أخبرته بأني أكتب لصحيفة الشموع اليمنية الاسبوعية وعلى أن أجري معه لقاءً حوارياً في مكتبه حول جملة القضايا اليمنية البارزة كعناوين لأزمات تتطلب جهداً جماعياً لحلها وفي مقدمها المشكلة الاقتصادية ومظالم أهل الجنوب التي بدأت يومها تطل برأسها بطريقة حادة.
التقيت بالرجل في مكتبه مرتين لكنهما كانا لقائين قصيرين ولم نتمكن من إجراء حوار شافٍ بل بضع كلمات حول العناوين كانت في جوهرها تعيد التأكيد على موقفه من قضية الوحدة. وقد سافر الرجل إلى القاهرة لحضور مناسبة إجتماعية لأحد القيادات اليمنية البارزة ولم أتمكن من إكمال المهمة التي رجوت من ورائها وضع القارىء الكريم في صورة ما يفكر به رمز من رموز اليمن الذين يعرف عنهم الاعتدال والمرونة في معالجة القضايا، والخلافية منها على الخصوص، وهو من القادة اليمنيين الذين يتم اللجوء لفكرهم ورؤيتهم عندما تزداد الأمور تعقيداً ويحتاج الوضع لفكر نير وسديد مع حرص وطني على مستقبل اليمن وشعبه، وأستطيع القول في هذا المجال أن الرئيس علي ناصر محمد وبالتعاون مع شقيقه الرئيس علي عبد الله صالح يستطيعان إخراج اليمن من محنته الحالية ومن هنا كانت أمنيتي التي عبرت عنها في مطلع مقالي.
يقول علي ناصر محمد أن وحدة اليمن يجب أن لا تمس وأنه يؤيد التغيير ولا يؤيد التشطير. وقد جاء ذلك في معرض تعقيبه على الأحداث التي وقعت في بعض مناطق جنوب اليمن ورداً على دعوة البيض للانفصال وإعادة إحياء الصيغة السابقة لليمن الجنوبي.
إن الدعوة للتغيير وهو يعني بالمختصر المفيد ودون الغوص في دلالات الجمل والكلمات الإصلاح للنظام الجمهوري القائم وليس الإنقلاب عليه. والتغيير والإصلاح قد يطال كل قضايا الحكم والاساليب، بل والشخوص والمقامات، لكنه لا يمس النظام الجمهوري أو الوحدة اليمنية.
ولو أوجد اليمنيون حزبا بهذا الإسم وبالمضمون الوارد هنا لكان حزباً جامعاً يستطيع المرء أن ينتمي له وهو مرتاح الضمير والوجدان. قد يقول قائل أن التغيير هي دعوة الجميع بما فيها حزب المؤتمر الحاكم كما الإصلاح الذي ينادي به الجميع وخاصة أحزاب اللقاء المشترك وأن وحدة اليمن هي شعار الحكومة والمعارضة على السواء، وأن برامج معظم الأحزاب تشمل هذين الشعارين.
كل هذا الكلام صائب وصحيح لكن حزباً يحصر فكره وبرنامجه في هاتين الكلمتين غير موجود حتى اللحظة في اليمن، ومن هنا تأتي الدعوة للرئيس علي ناصر محمد للعودة وتشكيل مثل هذا الحزب حيث سيجد الكثير من اليمنيين يؤيده، وسيثري تشكيل حزب من هذا الطراز الحياة السياسية اليمنية ويذكي نار التنافس الجاد والحقيقي على لعب الدور المنوط برموز وقيادات ابتعدت عن الساحة لفترة طويلة ولم يعد جائزاً الاستمرار في التهرب من واجبات تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة التي يمر بها اليمن. إن استجابة الرئيس علي عبد الله صالح العام الماضي لدعوات الأخوة العرب ونحن منهم لعمل نداء لعودة الجميع سالمين غانمين لأرض الوطن للمساهمة في البناء والتغيير كانت كريمة وتستجيب للمصلحة العامة وما تفرضه ظروف اليمن وأزماته المستعصية ولا أعرف لماذا لم يستجب من دعاهم الرئيس لنداء العودة حيث أن الترتيبات المسبقة لعودة آمنة وبدون ملاحقات كان يمكن أن يجري بشأنها إتفاق ملزم ومناسب لكل الأطراف.
اليوم أطل علينا أحد هؤلاء الرموز الأخ علي ناصر محمد وبموقف نزيه ويحفظ للجميع حقوقهم وآمالهم في غد أفضل ليمن واحد موحد وقد رحب به وبموقفه كل اليمنيين الغيورين على مصلحة بلدهم وهم الأكثرية بمن فيهم أركان الحزب الحاكم والمقربين من الرئيس علي عبد الله صالح، فلماذا لا تجري عملية حوار ولتكن شاملة حول عودة الجميع وفي مقدمهم الأخ علي ناصر محمد للمشاركة في العمل على التهدئة وإعادة الأمور لنصابها الصحيح حفظاً للوحدة وللبدء في إصلاح أوضاع يقر الجميع أنها مأزومة وأن ثغرات كبيرة وفساد أكبر ينخران عظام النظام القائم وحزبه الحاكم؟.
نؤكد في ختام الحديث حول أهمية عودة الرموز والتغيير بدل التشطير على مسألة تحمل المعنى الذي أراد السيد علي ناصر محمد إيصاله لرفاق الأمس في الحزب الإشتراكي اليمني وللجميع بمن فيهم الحزب الحاكم وهي أن الانفصال سيقود حتماً للتشطير الذي يعني تمزق الوطن اليمني لدويلات ستكون متحاربة على الأرجح وأن إرفاق هذا الموقف بعملية التغيير تعني ضرورة أن يجري الأمر على هذا النحو وأن يتبنى ذلك السيد الرئيس علي عبد الله صالح لأن عدم البدء في ذلك سيقود للتشطير لا سمح الله. أسمح لنفسي أخيراً باعتباري مواطناً عربياً يعتبر أن اليمن وطنه الثاني أن أدعو لحزب الوحدة والاصلاح وأن أناشد الجميع للانضمام لهذا الحزب من أجل اليمن الذي نريد.