إن أي شعب لا يفعل في يومه أكثر من ممارسة المعتاد، هو في الأساس شعب مكتئب ويحتاج إلى الضحك، وكذلك نحن اليمنيين، نبدو – في الغالب – شعباً مكتئباً ولا نمارس أكثر من المعتاد. حتى أنك تسأل الواحد هنا : ما بتفعل يا عزي؟ يقلك بكل برود: ولا شيء، مراعي للموت. من شدة الاكتئاب تجد أن اليمني هو الإنسان الوحيد في الدنيا الذي ينام وهو "يقرطط أسنانه" ! واللي يشوفه على حالته تلك يعتقد أنه في "مضرابة" وليس نائما كباقي الخلق. لا يوجد في حياتنا اليومية استرخاء، يومنا كله ملاحقة حتى أن اليمني ينام وأعصابه مشدودة، يضع رأسه على المخدة وأثناء نومه تلمح في رقبته أو في جبهته عِرقاً "منفوخاً" وفي الصباح يستيقظ على أخبار كلها قاح دبوم، وقلك ليش اليمني مُتشنج ! المكتئبون يمارسون المعتاد فقط، وكذلك نحن، شعب بأكمله ليل الله مع نهاره ونحن نمارس المعتاد، وإذا وجدنا شخصا سويا خرق العادة وخرج يجري في الليل، إن شاهده أصدقائه يفعل ذلك صرخوا: يازاااااانط. وإن شافوه دورية الشرطة وهو يجري يقولوا له : ما بتفعل، وما مع أبوك تجري هذه الساع ! بالمناسبة، فكرت مرة – وأنا في إجازة عائلية - أن أخرق العادة فأخذت زوجتي ونحن في عدن وقلنا نروح نجري في ساحل أبين. كان الوقت قرابة الساعة ال 11 ليلا، كنا نجري لوحدنا ونحن نضحك، فجأة وجدنا فريق من المُخزنين على الساحل وقدهم يجروا معانا. دعممنا وواصلنا الجري، وهم أيضا دعمموا وواصلوا الجري معانا. كنا نتوقف ويتوقفوا، نجري ويجروا معانا.. سألتني زوجتي بقلق : من هؤلاء، وليش يجروا معانا ؟ قلت لها لا تخافيش، هولا أصحاب الرياضة للجميع. أقصد من ذكر هذه الحكاية أن الخصوصيات في اليمن مثل المذنب هالي، احترامها يتكرر مرة كل مائة سنة. لا تخرق العادة في اليمن، لأنك بذلك تخالف شعباً " داكي" ومافيهش طافة يعمل شيء جديد. مسئولون وموظفون عاديون وعاطلون عن العمل، جميعهم يعيشون نفس البرنامج اليومي.. الصباح ملاحقة بعد اللقمة، العصر مُخزنين، الليل مُطننين وضابحين، وعلى هذا الرحيل كل يوم. حتى أثرياء اليمن مش قادرين يستمتعوا بحقهم الزلط. ولأنني أريد أن أخترق تلك العادة الرتيبة فكرت عشرين مرة أيش أعمل - طبعا لم أفكر أن أجري ثانية طالما وأن فريق الرياضة للجميع متواجدين لإحياء كافة المناسبات العائلية – المهم بعد تفكير عميق وجدتني أخترق العادة وأذهب إلى سوق القات ليلا. وللأسف، نصف الشعب قدهم يخزنوا ليل، يعني ماعدفيش خصوصيات خالص.