عندما اجتاح رجال القبائل عام 1948م مدينة صنعاء ونهبوها, قيل أن أحد سكانها أرسى حينها قاعدة في النهب السلمي المنظم, فعندما رأى " النهابة الأفاضل " يعبثون بمحتويات بيته وينهبونه بطريقة همجية ويحطمون أبوابه ونوافذه بأسلوب فوضوي، قال لهم بكل أدب " ياعيالي انهبوا بس بنظام, بنظام ", وكان نهابة آخرون قد سبقوا هؤلاء بنهب عجوز بكماء صماء من حي آخر، لفوها بالخطأ في "مفرشة " كبيرة كانت نائمة عليها، وخشية من العار والفضيحة أبقوها لديهم حتى توفيتلكن يبدو أن أحدا لم يتبع تلك القاعدة التي أرساها ذلك الرجل الحكيم, واستمر النهب بأسلوب بدائي ومتخلف وعنيف بالتزامن مع « الفيد « الذي غالبا ما يرافق الحروب والغزوات, ويعرف في بعض القواميس بالغنائم, والذي ظهر بقوة في حرب 94م ، وبرز رجال الفيد المختبرين بهذه الأمور وما تزال آثارهم إلى اليوم شاهدة عليهم في المحافظات الجنوبية, كما ظهر هذا النوع من الفيد خلال أحداث 2011م وطال الوزارات والمؤسسات الحكومية. والنهب في بلادي ينقسم إلى قسمين, نهب عام ونهب قبلي خاص, فالأول لاتحكمه قواعد ولا ضوابط ويندرج تحته نهب كل ما هو حكومي عام من مال عام ومؤسسات عامة وإدارات عامة ووظيفة عامة ونهب عام للثورة والثروة والآثار وقاطرات الغاز والنفط وحافلات وسيارات المسافرين والأجانب وينتهي بمراضاة الناهبين ودفع أتعابهم مقابل مساعيهم الحميدة وإذا ما حانت ساعتهم صدر بيان رثاء فيهم بأنهم قضوا جل أعمارهم في خدمة الوطن. أما الثاني, فهو النهب القبلي والقبلي المضاد وله قواعده وأعرافه وأسلافه وتقاليده فعندما تنهب قبيلة معزة قبيلة أخرى يكون الرد بالمثل ولايتجاوزه إلى نهب تيس أو بقرة أو ثور, ويكون نهب الرجل بمثله، وعيب كبير أن تنهب امرأة أو طفلا أو رجلا طاعنا في السن أو شخصا غريبا من خارج البلاد, ومن أكبر المسيئات إلى القبيلة أن تنهب أحدا من داخل حدودها ومن يقوم بأخذ ابنته من بيت زوجها عنوة وبدون علم الزوج يعتبر نهبا تعاقب عليه القبيلة كل من يقوم بذلك, والمنهوب ضيف معزز مكرم لدى الناهب تذبح له الخرفان وتقدم له « القيتان « حتى يفك الله أسره .. وهذا النوع من النهب كان, باستثناء بعض الحالات التي يسقط فيها « شهداء «, ينتهي بأن الناهب والمنهوب أخوة وعيال عم, على قاعدة « من نهبك قال اخوك «. والآن اختلف مفهوم وأساليب ودوافع النهب, واتسع حتى وصل إلى المدن وخاصة العاصمة صنعاء وصار وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي أو التعبير عن موقف معين أو وسيلة لإيصال صوت الناهب إلى الحكومة وأحيانا إلى الأممالمتحدة بأن لديه قضية أو سجناء من تنظيم « القاعدة « أومحكوم عليهم في قضايا نهب ويريد إطلاقهم, فعندما تنهب قبيلة سيارة في ذمار تنهب الأخرى عشرا من تعز, وعندما ينصب هذا برميلا مع 100 ناهب مسلح قرب نقطة نقيل يسلح ، يتحداه الآخر فيضع في شارع تعزبصنعاء خمسة براميل مع 200 ناهب مسلح, وحين ينهب ثالث مدرس تربية إسلامية من قرية تقوم القرية المنهوبة بنهب مدرس رياضيات أو لغة انجليزية, واذا ما حاول منهوب ابلاغ وزارة الداخلية أو قسم شرطة فسيجد من يقول له « استعن بجناب الشيخ أوأصحاب المعالي الوجهاء لأن هذه القضية قبلية حتى لا تتداخل الاختصاصات بين قبيلة الدولة ودولة القبيلة, ومن يدري فقد يصل الأمر ذات يوم إلى نهب وزير الداخلية نفسه أو رئيس الوزراء فسيكون الاستعانة بشيخ قبلي لتحريره هو طريق النجاة لذلك, والدليل أن وزارة الداخلية تعلن بشكل شبه يومي أنها رفعت أربعة إلى خمسة قطاعات قبلية على طريق هذه المدينة أو تلك, ولا يوجد شيء اسمه الجر أو الكسر في لغتها لتأديب قطاع الطرق وناهبي المسافرين. وقد شكا لي أحد أبناء القبائل بمرارة وحسرة كيف أن قواعد النهب لم تعد على أصولها وأن دخلاء بعضهم يتبعون أحزابا قد اقتحموا عن جهل وعدم معرفة بطرق النهب وأساليبه هذه « المهنة الشريفة «, وقال « زمان كان النهب يرفع الرأس ويشرف النهابة فعندما كنا ننهب شخصا أو ناقة أو جملا أو سيارة نضع البندق على رأسه ونخبره باحترام أننا سننهبه ونأخذ سلاحه , ونبلغه بالسبب الذي دفعنا الى ذلك، ثم ننقله إلى قريتنا ونضيفه ب» طلي» ونخيره بين البقاء أو الرحيل بعد أن نأخذ جمله أو سيارته ونعيده إلى المكان الذي يريد سالما آمنا.. أما نهب هذه الايام فو الله يا أخي إني استحي أن أقوم به..نهابة شوهوا بسمعة القبائل يتقطعون لخلق الله في الطريق وينهبوا سياراتهم أو فلوسهم ولايقدمون لهم حتى واحد شاهي أو صينية قهوة ..ياخزا البلى !! قسما إني رأيت بعضهم ينزلون بالقوة عروساً من سيارة ستوصلها إلى بيت عريسها ورموا بها مع من كانوا معها في طريق صنعاءذمار وأخذوا السيارة !! أين القبْيلة !.. أين الرجال.. يارجالاه .. ياقبيلتاه.