نتمنى أن تسكت المدافع إلى الأبد في اليمن ليلتفت شعبها إلى إصلاح ما أفسدته الحرب بين أبناء البلد الواحد. فموافقة الطرفين على شروط الصلح (الحوثيون والحكومة اليمنية) تبشر بحل لحرب ضروس في واحدة من أفقر الدول العربية وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، ويجعل بالإمكان توجيه طاقاتها المحدودة للتغلب على التخلف الاجتماعي والاقتصادي الذي تعانيه هذه الدولة، بعدما كانت تُعرف في الماضي البعيد ب«اليمن السعيد»، لكثرة خياراتها، واعتدال مناخها، وحضارتها الضاربة أطنابها في عمق التاريخ. نتمنى أن تتوقف الحرب في هذا البلد، الذي لم يشهد استقراراً منذ قيام نظامه الجمهوري قبل نصف قرن تقريباً، وها هو يواجه ثلاث قوى تحاول أن تمزقه: قوة الحوثيين، التي نتمنى أن تستمر الهدنة معهم، وتتحول إلى صلح، وقوة القاعدة، التي تضرب في طول البلاد وعرضها، لتنذر بتحول اليمن إلى «صومال أخرى»، وقوة «الحراك الجنوبي»، التي استفادت من «ظلم ذوي القربى» والتي تدعو إلى فصل الجنوب عن الشمال، لتبعث جمهورية اليمن الديمقراطي من جديد. وأغلب الظن أن الذي سيستفيد من (أو بالأحرى سيخطف) تحرك أبناء الجنوب، هو «القاعدة» لإمكانياته التنظيمية، ولوجود الأرضية الأصولية في المجتمع اليمني في الجنوب. ولا شك أن الحكومة اليمنية بحاجة أيضاً إلى الالتفات إلى متطلبات التنمية والتوزيع العادل والشفاف لثروات البلد الشحيحة، والمساعدات الخارجية من الأشقاء والأصدقاء. إنها بحاجة إلى التخلي عن قوامها القبلي ونزع السلاح الثقيل من بين أيدي أبناء القبائل، وبسط الدولة لسلطتها وسيادتها على كامل التراب اليمني، وقيام أجهزتها بواجب حفظ الأمن والدفاع. وهذا بالطبع لا يتم إلا ببناء المواطنة الحقة، والعدالة بين هؤلاء المواطنين، وبمحاربة الآفات الاجتماعية المعيقة للإنتاج، فلا يعقل أن تتحول غالبية اليمنيين رجالاً ونساءً إلى «التخزين»، وأن تتحول الأراضي التي كانت تزرع بالبن، والتي كانت تشتهر بها اليمن، وكانت السلعة التي تعتمد عليها بالتصدير، تتحول هذه الأراضي الخصبة إلى زراعة القات!