محمد مرشد ناجي، اسم انبثق من اقحوانة الأحياء الفقيرة، وعبر بالتزامه الخط النضالي لحركة التحرير الوطني العربي بقالبها الشعبي، مقابل (جس) الانتلجنسيا العدنية التي كانت تسترخي على قارب من الغمام يبحر بمجدافين عظيمين لأحمد قاسم، وترانيم لطفي جعفر أمان. اقتحم هذا الصوت العذب المشهد السياسي والفني ليرفع صوت الشقاة، والفلاحين والبسطاء الذين عادةً ما يرثون الأرض، فهم وحدهم ملحها، وهم وحدهم باقات زهرها، وكان محمد مرشد ناجي وردة النعمان باحمرارها، وتدفق عطرها الذي لم ينقطع حتى حين صار كهلاً، وحتى حين كبلته روابط الوظيفة السياسية كعضو في مجلس النواب. كان الجريء في التقاط خطوات المستقبل الذي حث السير نحو التحرر، ولم تكن تراه العيون، ولكن بصيرته خلاصة ما يعتمل في الأفئدة قد أنبأ بها، وكان يحس أن شريانه ينبض في صنعاء مع أن الهوى كان يجري في عدن، فرأى صنعاء غابة من كروم "صنعاء الكروم يا موطن" وكان الوطن اليمني خارطة من الآمال العريضة التي يراها بأم عينيه حتى قبل التوحد عام 1990م، فقلبه وعقله قد توحد في الوطن الذي لطالما "أعاقته المخاليف الصعيبة"، إلاّ أنه وضع الفن توأماً لبندقية الحق، وجعل الشدو والنغم أخاً لهديل الحرية، وعنواناً لعواصف الغضب، وزلزالاً تحت أقدام الطغاة المتجبرين. محمد مرشد ناجي نقَّب كخبير بالمعادن، والقيم النفيسة عن مايو قبل ميلاده، وعن سبتمبر قبل توهجه، وعن أكتوبر قبل اشتعاله ثورة جامحة لا يمكن إشباع روحها بغير التئام جرح الوطن بالوحدة والاستقلال، كان يقاتل بالناجي في كل جبهات الدفاع عن الثورة، وكان يهندس في كل كواليس العمل السياسي، لاختراع وجه اليمن الديمقراطي الموحد. كان يغرس في أفئدة الصغار اسم وطن وملامح أمة، إذا ما تصفحت صوته الجميل ستجد خارطة لقسمات اليمن وهو يتحرك من الماضي إلى المستقبل الذي يضج بالحياة والأمل في غناء رجل أتى ليدشن حقبة جديدة عنوانها محمد مرشد ناجي، بكل عقود نضاله، وبكل سنابل شدوه وبكل عناقيد حلمه اليمني الكبير، كان آخر العمالقة، لكنه أول من يموت.