ما استلفتنا مؤخراً، مفارقة فارقة حدثت على د. فارس السقاف الساحة السياسية اليمنية في الآونة الأخيرة. ففي حين سرى وقف إطلاق النار، منذ منتصف ليلة الجمعة 12فبراير على جبهات القتال في المنطقة الشمالية الغربية، حسب تعبير البيان الحكومي، فإن أبواب الحوار بين المؤتمر الشعبي والمشترك، أُغلق إلى أجل غير مسمى، وهو الحوار الذي اقتضته ضرورات تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى ابريل 2011 لإجراء إصلاحات دستوريه وانتخابية . وهنا تثور أسئلة عدة: لماذا توقفت الحرب الآن؟.. لماذا توقف الحوار ووصل إلى طريقٍ مسدودة؟.. توقف محمود هنا، وتوقف مذموم هناك. قد أزعُم أنني كنت اقتربت من أطراف هاتين القضيتين؟.. وأملك مقاربات تجيب عن هذه التساؤلات.. ولنبدأ بالحوار، الذي أطلقت رصاصات الموت عليه، بينما سكتت النيران على جبهات المواجهة في صعدة وعمران. قرأت إحدى إجابات رئيس المشترك في فترته الراهنة، الأستاذ عبدالوهاب محمود، والتي صرح فيها عن خشيته من حساسية الرئيس تجاه الشيخ حميد الأحمر، والأستاذ محمد سالم باسندوه، وهما اللذان يترأسان اللقاء المشترك عبر التشاور الوطني.. القوة المنافسة الجديدة. أثار استغرابي هذا التفسير لتعثر الحوار، ولسببيته على هذا النحو.. كما ادهشني هذا الاختزال للاختلافات الجوهرية والموضوعية في هذا التشخيص التسطيحي؟ دعوني أناقش معكم الموضوع المذكور. لماذا قلب الأمر على هذا النحو، بينما ما تستقيم معه الحقائق أن الشيخ حميد الأحمر، هو الذي يتحسس من الرئيس.. وبادره أكثر من مرة في مقابلات علنية، لا تنقصها الصراحة؟.. كما أن الأزمة عميقة في الخلاف.. ليست بين مشروعين يحملان مضامين موضوعية تغييرية ومستقبلية، وإنما صراع زعامات.. فمشروع التشاور الوطني واللقاء المشترك من ورائه، لم يعد يعوّل على تحالفاته مع زعامة الرئيس، الذي بدا أنه أقدر من أي وقت مضى على السير مستقلاً، وهي تنظر بالتأكيد إلى ما بعد مرحلة الرئيس علي عبدالله صالح الذي تنتهي ولايته في العام 2013. بل ان المشترك الذي يرأسه الأستاذ عبدالوهاب محمود في هذه الدورة، وتساوقاً مع هذه الرغبات الشخصانية الفردانية، تنازل المشترك بزعاماته التاريخية والعريقة عن صلاحياته وحقوقه لحساب زعامة التشاور.. كما فعلت وتفعل في الحوار المبني على مرجعية اتفاق فبراير، حيث أوكلت التوقيع للتشاور مقابل طرق الحزب الحاكم لجهة التشاور الوطني الذي يقوده الشيخ الأحمر والأستاذ باسندوه.. وذلك كله ربما كان يهدف إلى تعميق الأزمة بحساسيات شخصية ينكرونها الآن ويمارسونها في الواقع. يبدو ان التشاور الوطني، ومعه اللقاء المشترك (المعارضة)، يطرح نفسه بديلاً للنظام القائم، ولم يعد يقبل أن يكون ملحقاً بالحزب الحاكم، لا يقدر على إحداث تغييرات حقيقية، لكونه لا يملك السلطة والنفوذ، ولأنهم يحسبون ان النظام آيل للسقوط، وأن هذا يؤهلهم لتلقف الأوضاع كمنقذ، وأن أي مشاركة مع الحاكم بقيادته سيشكل دعماً لمشروع فاشل. وهذا هو ما أوقف عجلة الحوار. ولم يتبق من مهلة الحوار سوى 24 شهراً، وهي غير كافية لاستيعاب موضوعات الحوار، مع رهان يتردد عن عدم إمكانية إجراء الإنتخابات في ظل عدم التوافق بين أطياف الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة.. في المقابل وقف الحرب مع الحوثيين يمر حالياً بمرحلة تثبيت وقف إطلاق النار، ومن ثم إنهاء أسباب الحرب.. فهناك فرق واضح بين وقف الحرب، وإنهاء الحرب. الحرب انعكست آثارها السلبية على التنمية والاستقرار، وعلى السلم الأهلي وعلى سيادة النظام والقانون. الرهان الآن على تجاوز دواعي الحرب، وتجفيف منابعها، والانطلاق نحو مرحلة جديدة يسودها السلام والبناء.