لم يعد اليُتم حالة إنسانية تثير الشفقة والرحمة في قلوب الآخرين مما يدفعهم إلى الشعور بمعاناة اليتيم وآلامه والمأساة الإنسانية التي يعيشها، فيسارعون إلى مد يد العون له والعمل على التخفيف من تلك المعاناة والمأساة المريرة بعد أن تخلى المجتمع عن دوره وواجبه الديني والإنساني وأصبح اليتيم خارج دائرة الاهتمام. والمؤسف حقاً أن يتحول اليتيم إلى سلعة يتم استثمارها والإتجار بها لجني أرباح طائلة تعود بالنفع على المتاجرين بها. ولعل من المفارقات العجيبة أن يصادف اليوم العالمي لليتيم أول يوم في شهر أبريل.. وهو ما يعني أن كل ما نسمعه في هذا اليوم من حديث عن الاهتمام باليتيم ورعايته وتأهيله وتوفير سبل الراحة والحياة الكريمة له مجرد كذبة سنوية اعتدنا سماعها كل عام وأن تلك المهرجانات الرسمية وغير الرسمية ليست أكثر من طقوس للتذكير بمأساة الآلاف من الأيتام الذين فقدوا حنان الأبوة والشعور بالأمان وفقدوا أيضاً إنسانية بني البشر من حولهم فكان مصيرهم النسيان والإهمال والتجاهل الرسمي والشعبي لتزيدهم معاناة إلى معاناتهم ويجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة أعباء الحياة وظروفها القاسية. جهات عديدة ومؤسسات خيرية لا حصر لها اختارت الأيتام مجالاً لنشاطاتها من أجل دعم الأيتام وتقديم الرعاية اللازمة لهذه الشريحة التي هي بأمس الحاجة للمساعدة ومد يد العون لها.. جميعها نراها تتسابق لإحياء اليوم العالمي لليتيم بإقامة المهرجانات للاحتفال بهذه المناسبة كتقليد سنوي للحديث عما قدمته تلك المؤسسات لليتيم وعن عدد الأيتام الذين يتم إيواؤهم ورعايتهم وكم المبالغ التي أنفقتها لوجه الله تعالى.. وغير ذلك من الدعاية والإعلان ليتضح أن الهدف الأساسي من الاحتفال باليوم العالمي لليتيم هو الترويج للمشروع الاستثماري المسمى باليتيم واستقطاب التبرعات لصالح تلك المؤسسات والمنظمات الخيرية باسم اليتيم ليستمر استثمار هذه المأساة الإنسانية ولا يقف الحد عند التبرعات والهبات، فهناك أيضاً الإعفاءات الجمركية والتسهيلات لما يتم استيراده باسم المؤسسات الخيرية، كما لا تخلو مأساة اليتيم ومعاناته من التسييس واستغلالها من قبل الأحزاب السياسية وتعتبر جماعات الإخوان المسلمين أنموذجاً في هذا الجانب. نعم أيها السادة إن ديننا الإسلامي يحثنا على الاعتناء باليتيم ورعايته والعطف عليه ابتغاء مرضاة الله، وليس استغلاله والإتجار بمعاناته ابتغاء مرضاة أنفسنا وأحزابنا.. فاليتيم بحاجة للاهتمام والعطف والرعاية كل يوم ليشعر أنه جزء من المجتمع وأن يتمه ما كان سبباً في ضياعه وكل أمله في الحياة أن يحصل على حاجاته الأساسية في الحياة من مأوى ومأكل وملبس وتعليم وصحة وليس أكثر من ذلك.. قلة قليلة من الأيتام وجدوا بعض الرعاية في دور الإيواء العامة والخاصة في المقابل الآلاف من الأيتام من الجنسين تاهوا في زحمة الحياة وأجبرتهم ظروف الحياة القاسية على السير في طريق الضياع والكثير منهم وقعوا ضحية عصابات إجرامية ليتم استغلالهم أبشع استغلال والإتجار بهم لوحوش آدمية داخل البلاد وخارجها، ومع ذلك نجد وقتاً للاحتفال بيوم اليتيم والزعم أن اليتيم يحظى برعاية واهتمام وحب من الدولة ومن المجتمع.. فهل كان اختيار أول أبريل مصادفة أم عملاً مقصوداً لممارسة الكذب بغير قصد؟.