تأتي الأم لمقيل القات وهي تسحب طفلها الصغير من يده الذي –مثل كل الأطفال- يريد أن يلعب طوال اليوم.. تصرخ النساء في المقيل:« يووه جبتي إبنش! هيا عنخزن سوا اليوم أو مثل كل مره ابنش يشغلنا؟»..تشعر الأم بالخجل لأن إبنها يريد أن يلعب وهذا يزعج النساء في المقيل فتضطر لترك المجلس سريعاً. وفي اليوم التالي، ولأن هذه الأم تعودت على “التفرطه” بشكل يومي ولا تستطيع أن تستغني عن القات، يخطر في بالها فكرة وهي ذاهبة للمقيل. تقول لها صديقتها«ما قلنالش، لا تجيبي إبنش للجلسه بيشغلنا!» ترد:« لا لا لاتقلقي خلاص قد حلينا المشكله»..وتبتسم.. تجلس الأم وتنادي إبنها « تعال يا إبني تعال »..تعطيه أوراق القات ليمضغه..يجلس الطفل وهو متفاجئ مما يحدث، لأول مرة تعطيه أمه هذه الورق ..يفرح بها مثل اي طفل يفرح بما هو جديد..يبدأ في المضغ..يشعر بالخدر ويجلس الطفل بلا حراك لسبع ساعات متواصلة .... هذه قصة حقيقية تحدث كثيراً حتى في أعلى طبقات المجتمع، للأسف هذه الأم ترتكب جريمة في حق إبنها وفي حق أجيال قادمة ستتحول لأجيال مدمنة، هذه الأم لا أحد يلومها ولا يستنكر ماتفعله بالطفل المسكين الذي سيعاني من نقص الغذاء لأن القات يضعف الشهيه، غير الأمراض التي تنتج من المواد الكيميائية المحرمة دولياً التي توضع على القات لكي تكون بالإستطاعة زراعته طوال العام رغم أنه نبات موسمي. ليست الأمهات فقط من يمارسن هذه الجريمة وإنما الآباء أيضا، ففي زيارة لي لإحدى المدارس في صنعاء بهدف التوعية عن مضار القات، أتى طالب في الرابعة عشرة من عمره يقول بأن الأب يمنعه من ممارسة الرياضة ويجبره على الجلوس بجانبه في « المدكى» لساعات طويلة في مقيل قات! نصحت الموجهه بأن تستدعي الأب ولكني فيما بعد خفنا بأن يقوم الأب هذا بمنع الطالب من الذهاب للمدرسة فرأينا أن من الأفضل عدم استدعائه. سيأتي من يقول بأن هناك أموراً أهم، وسأرد بأن ليس هناك أهم من تربية جيل على أن يصبح “عبد” لنبتة أصبحت أهم من زراعة أرضه بمحاصيل غذائية وأهم من المياه وأهم من الإقتصاد وأهم من التعليم وأهم من كل شيء..هذه النبتة أصبحت هي المحور الأساسي الذي يدور حوله كل من يتعاطاه دون أن يصلوا لنتيجة..يبنوا أحلامهم ومشاريعهم في المقيل وتختفي هذه المشاريع بعد “خلث” القات.. كل من يعي هذا البلاء عليه مسؤولية أن يعالج من حوله وينصحهم، لا نريد أن يأتي الجيل القادم ليقول لنا :أننا سبب هذه اللعنة ومن شجع عليها..أنا برأت ذمتي اللهم فاشهد.