يثير عالم الهاتف النقال واستخدامه في العراق الكثير من القصص التي يرويها البعض عن أنفسهم أو ينقلونها عن آخرين، بعضهم نجا من الموت بسبب رنة هاتفه، في حين تسببت رنة أخرى في موت صاحبها، بينما يروي المشتغلون في عالم الهاتف النقال قصصا غريبة وحكايات مختلفة ومقالب في بلد اختلف فيه الساسة وتعددت فيه المخاطر. ورغم أن مصطفى عبد الكريم يرفض التحدث بالسياسة إلا أنه وبعد إلحاح وافق على شرح الغرض الذي ترمي إليه هذه النغمة والى ماذا ترمي تلك ومن هو الشخص الذي يكال إليه المديح في هذه النغمة، قائلا " أسئلة كثيرة لمحل صغير مثل محلي المتواضع ولمثلي شخصيا أمر صعب، فالعراق اختلف فيه الناس مع الأسف، ومع هذه الاختلافات تختلف النغمات في الهاتف النقال..كل شريحة من الناس تميل إلى وضع رنات خاصة، وتلك قصص لا أفضل البوح بها لأسباب مختلفة".
وأضاف عبد الكريم أنه لا يتدخل في اختيارات الناس، ولم يسبق له أن رفض طلبا لزبون ولم يتدخل في اختيار، حتى أن بعض زبائنه لا يعرف عنه شيئا وهذا بالنسبة له يعد مكسبا كبيرا في هذه المرحلة الصعبة من حياة البلد.
ويقول رشيد عبد الستار، وهو طالب في الدراسات العليا في العلوم السياسية، إنه لا يحب الأناشيد الحزبية التي يدعو كل نشيد منها إلى فئة من الفئات في محاولة لرسم حدود جديدة للتقسيم الفئوي حتى داخل الموبايل، مشيرا إلى أنه يختار دائما النغمات التي تضعها الشركات داخل الجهاز ويعتبرها مثالية.
ولكن ريم شمخي (22 سنة) الطالبة في معهد إعداد المعلمين تختلف مع عبد الستار في الرأي فقد تعودت أن تصنع لزملائها وزميلاتها المقالب المختلفة في النغمات، حيث تقوم بتغيير نغمات هواتفهم دون علمهم، وتكون عادة من النغمات التي لا تناسب عمر ومستوى صاحب الهاتف، بعد ذلك تعمد ريم للاتصال بحاملة الهاتف عندما تكون وسط زحام من الناس.
أما جليل علي وهو سائق حافلة تنقل الركاب بين العراق وسوريا فيقول "ذات مرة أوقف مسلحون ملثمون حافلتي لغرض تفحص هويات الركاب بحثا عن بعض المطلوبين وعندما اخذوا يتفحصون الأسماء توقفوا فجأة عند شاب في العشرين من العمر لكنهم تركوه وتركوا السيارة وأمرونا أن نسير بسلام بمجرد أن رن هاتف الشاب بنغمة لا اعرف أنا مغزاها حتى الآن دون أن يسألوه عن هويته الشخصية".
ويرى عقيل سلطان صاحب محل هواتف نقالة في حي شارع فلسطين شرقي العاصمة أن "ميول الناس في وضع النغمات في هواتفهم تختلف في جانب الرصافة عنها في جانب الكرخ من مدينة بغداد.. ففي جانب الكرخ تنتشر نغمات تمجد معارك جرت في الفلوجة ضد القوات الأميركية وأخرى تحمل أناشيد تمجد أهالي مدن غرب العراق، وأخرى موالية للنظام السابق يتم تداولها بشكل سري للغاية بين الناس بصمت أما في جانب الرصافة فتنتشر نغمات تمجد التيار الصدري".
ولم تتوقف رنات الهاتف عن التعبير عن ولاء الناس في العراق أو الانتماء إلى هذه أو تلك من الفئات الدينية والسياسية، بل إن طريقة انتقاء الناس لتلاوات قارئي القرآن تختلف أيضا، كما يقول منعم البياتي صاحب محل هواتف نقالة ومتخصص باختيار وتنصيب النغمات للزبائن في حي الأعظمية شمالي بغداد. ويؤكد البياتي أنه لا يتدخل في السياسة، ولا يفسر تفاوت الرغبات بين الاستماع إلى القراءة بهذه الطريقة عن تلك، ولكنه يلاحظ أن بعضهم يصر على تسجيل نغمات فيها تلاوات لقارئين سعوديين حصرا، وآخرون يصرون على تسجيل تلاوات لقارئين عراقيين، إنه عالم غريب" يضيف البياتي وهو منهمك بتسجيل أغنية للمطربة اللبنانية نانسي عجرم على هاتف أحد زبائنه.