العصيد أو العصيدة وجبة قديمة قِدَم الإنسان وقِدَم الجوع. وثمة رأي يقول بأن العصيد وجبة جهنمية، وأنها إنما تقدم لأولئك الأشخاص الذين لا نرتاح لهم، ولأولئك اللذين تتملّكنا رغبة قوية في أن نهينهم ونذلهم ونعاقبهم. وقيل بأن أبانا آدم وأمنا حواء بعد أن تم طردهما من الجنة عُوقبا بأكل العصيد. لكن المؤكد أن العصيدة كانت ولم تزل تلك الوجبة التي ما انفك اليمنيون المحكومون والمغلوبون على أمرهم يُعاقبون بها إلى اليوم. ذلك لأن العصيد ليس فقط مجرد وجبة طعام.. وإنما هي كذلك وسيلة عقاب وأداة تعذيب. والمؤكد أيضا بأن اليمني بمجرد أن يستقبله أحدهم بالعصيد يقشعر جسده من الرعب، ويشعر بأنه اُذِلّ وبأنه أُهِين، أو على الأقل بأن الشخص الذي عزمه أو استضافه لم يعطهِ حقه من التكريم. وأتذكر في العهد الملكي أن عسكري الإمام كان عندما يصل إلى قرانا- متنفذاً على أحدٍ من الرعية- يزعل ويغضب ويثور، وقد يلجأ إلى استخدم العنف إن تجرّأ هذا الرعوي أو ذاك وقدم له وجبة عصيد. وهو إن فعل ذلك يكون ليس فقط قد أهان عسكري الإمام.. وإنما أهان الدولة وأهان الإمام، وأهان نبي ورسول الله، على اعتبار أن الإمام هاشمي وسيد وفاطمي من أحفاد نبي الله ورسوله. أما نحن الذين وُلِدنا ونشأنا وترعرعنا في بيوت العصيد فقد كنا نكره العصيد ونكره من اخترعها..و كنا عندما نعود إلى بيوتنا من المدرسة- ونفاجأ بأن العصيدة جاهزة في انتظارنا وواقفة لنا بالمرصاد- نتيبّسُ ونتخشّبُ من شدة الرعب.. ثم ما نلبث أن ننفجر في نوبةٍ من الغضب، وإذ بنا نرمي بحقائبنا المدرسية أرضاً ونجهش بالبكاء.. ونظل نبكي ونصرخ ونلعن العصيد وأم العصيد.