هزّت جريمة اغتيال ضابط بالشرطة الرأي العام المصري، ووضعت الإخوان المسلمين مجدّدا في دائرة الاتهام باستخدام سلاح الاغتيال لزعزعة استقرار البلاد في نطاق معركتهم السياسية التي يخوضونها منذ أسقطت ثورة 30 يونيو حكمهم في البلاد. ورغم أن مسؤولين أمنيين مصريين ألقوا بالمسؤولية في قتل المقدم بالشرطة محمد مبروك على إسلاميين متشددين دون تحديد، فإن مراقبين ووجوها إعلامية وسياسية مصرية اعتبرت أن جماعة الإخوان معنية بالاتهام في هذه القضية، كون صفة التشدد تنطبق عليها اعتبارا لكمّ العنف والتحريض عليه الذي مارسته ولاتزال في البلاد للوصول إلى غاياتها السياسية. وقال هؤلاء إن الجماعة هي المستفيد الأول من اغتيال الضابط الذي كان يشغل منصب مسؤول ملف الإخوان المسلمين بقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية المصرية، بما يحويه الملف من حقائق ومعلومات أمنية عن قيادات في الجماعة بعضها من الصف الأول. وأكدوا أن جماعة الإخوان يمكنها ممارسة الاغتيال بالوكالة عن طريق جماعات متطرفة من عائلتها الإيديولوجية الموسّعة، سواء في مصر أو في قطاع غزة المجاور. واستندوا إلى تساؤل مركزي دار حول ما إذا كانت جماعة الإخوان قد طرحت مبادرة الحوار والتهدئة للتغطية على التوجه من جديد نحو الاغتيالات والتصفية الجسدية، على غرار ما كانت الجماعة قد مارسته في فترات سابقة. وقالوا إن لدى الإخوان دافعا قويا للتوجه نحو هذه الممارسة، في هذه الفترة بالذات، بعد خسارة معركة الشارع التي حاولت أن تديرها تحت شعار السلمية، وفشلت في ذلك، في حين غدا أبرز قياداتها في السجون تحت طائلة القضاء. ولفتوا إلى التزامن المثير للشكوك بين تصاعد موجة العنف في مصر وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، حيث تصاعدت هجمات المتشددين الإسلاميين على أهداف للجيش والشرطة خصوصا بشمال سيناء. بينما مثل اغتيال الضابط محمد مبروك مؤشرا على امتداد الهجمات إلى خارج سيناء. وجادل مراقبون بأن دعوة جماعة الإخوان الأخيرة إلى الحوار والتهدئة لا تصلح شهادة لتبرئة الجماعة من العنف، بقدر ما تعني توجها منها إلى ممارسة "التقية السياسية" بعد أن اشتد عليها الضغط السياسي والأمني، وأن الدعوة في حد ذاتها دليل ضعف وتراجع بعد أن كانت الجماعة تعتبر أنها تحوز "الشرعية"، ولا تقبل النقاش حولها. وكانت مجموعة إسلامية متطرفة تبنت محاولة فاشلة لاغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في سبتمبر بتفجير عبوة ناسفة، وهي عملية تزامنت مع النجاحات التي حققتها وزارته في المعركة مع دعوات العصيان التي انتهجها الإخوان وتمكنت بفضلها من اعتقال أبرز قيادات الجماعة الفارين.
ومع سقوط الإخوان، كثفت مجموعات متشددة عملياتها في استهداف الجيش والأمن في مصر ما حدا بخبراء أمنيين ومحللين سياسيين إلى الحديث عن تنسيق بين الطرفين كردة فعل على إطاحة ثورة الثلاثين من يونيو بحكم الإخوان. وفي خطوة تعد الأكثر مرونة وانفتاحا منذ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي قبل أربعة أشهر، عرضت جماعة الإخوان المسلمين السبت الماضي إجراء مفاوضات. ودعا ما يسمى "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب" المؤيد لمرسي في بيان "جميع القوى الثورية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية للدخول في حوار عميق حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة". كما طلب التحالف وقف الاعتقالات في صفوف نشطائه وقيادييه. غير أن السلطات المصرية، واجهت مناورة الإخوان باشتراط اعترافهم بالسلطات الجديدة التي أفرزتها ثورة 30 يونيو. واستبعد وزير التضامن الاجتماعي أحمد البرعي فكرة الدخول في أي حوار مع الإخوان قبل أن يعترفوا أولا بالسلطات الجديدة التي حلت محل محمد مرسي. أما خارطة الطريق فهي تحدد أسس المرحلة الانتقالية وتنص على إجراء انتخابات تشريعية في فبراير أو مارس وانتخابات رئاسية في الصيف. كما طالب البرعي الإخوان المسلمين، الذين يدعون بانتظام إلى تظاهرات تتخللها دائما أعمال عنف دامية، إلى "أن يقدموا اعتذارا للشعب المصري وأن يوقفوا أعمال العنف في الشارع" والقبول بأن يتم استثناء أعضائها الذين يحاكمون بتهمة القتل والإرهاب من فكرة المصالحة.