بعد توقيع كافة المكوِّنات والأحزاب السياسية اليمنية المشاركة في الحوار الوطني على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية، بات من المؤكد أن اليمن انتقل إلى عتَبة "مرحلة جديدة"، لم تتّضح معالِمها المرسومة بوثيقة حلول ضمانات القضية الجنوبية بسبب اختلاف التفسيرات لتلك المعالِم وتبايُن المواقف حولها. وفي كل الأحوال تبقى مسألة تحديد عدد الأقاليم وحسْمها من عدَمه، عقبة كبيرة أمام الإنتقال النهائي لليمن إلى الدولة الإتحادية، خاصة مع تبايُن الرُّؤى واختلاف الأهداف حولها. وحول هذه العقبة، قال الدكتور أمين الغيش، أستاذ القانون الدستوري في جامعة صنعاء في تصريحات ل swissinfo.ch، أن "طرح الإقليمين كأساس للدولة الإتحادية من قبل البعض، يُبرر كونه الأقرب إلى الواقع والأسهل تطبيقاً، لكن هذا التقسيم الثنائي في نظر آخرين، يعني العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 شمال وجنوب، وهذا لا يقدِّم حلاّ للقضية الوطنية، وفي مقدِّمتها القضية الجنوبية، بل قد يكون مقدِّمة للإنفِصال". ويرى البعض - وهذا هو الأخطر حسب الغيش - أنه "قد يكون مقدِّمة للإقتتال، ليس على مستوى الإقليميْن، وإنما على مستوى كل إقليم، وبالتالي التشظّي"، ناهيك عن وجود رفض على مستوى الإقليم الجنوبي لقيام دولة اتحادية بإقليميْن. أما في صورة استحداث الأقاليم الخمسة الجديدة (أو السبعة)، يُنتظر بروز الكثير من المشاكل والصراعات، فضلاً عن الصعوبات التي ستترتب عن تحديدها، أولا على مستوى ضبط معالِم الأقاليم الجديدة وكيفية تشكيلها، وتحديد المُحافظات التي سيتكوّن منها كل إقليم، وإثر ذلك سيتطلب الأمر وقتا طويلا للإتفاق على عواصم الأقاليم الجديدة، إضافة إلى أن ضمان نجاح الأقاليم الفدرالية يتطلّب في حدِّه الأدنى شروطا لابد من توافرها، مثل رابطة الهوية والشعور بالإنتماء، التي تشكَّلت في الفترات الزمنية السابقة على قيام الدولة الإتحادية. إجمالا، يتفق المراقبون لمُجريات ومآلات الحوار الوطني اليمني على قبول الفرقاء بفكرة الفدرالية من حيث المبدأ، أما من حيث صيغها وعدد الأقاليم، فإن ذلك يتطلب فترة زمنية طويلة ويحتاج إلى إجراءات وتدابير إدارية وتأمين موارد مالية مُستدامة وإلى بُنى مؤسّسية أيضاً وإلى أطُر بشرية وإدارية، خاصة لجهة التشريع والقوانين، وتنازع الإختصاصات بين السلطات على مستوى الإقليم أو على مستوى السلطة الإتحادية. "خيار فدرالية المحافظات بتحويلها إلى أقاليم أو ولايات هو الحل الجِذري لكل مشاكل اليمن " الدكتور أمين الغيش يرى أنه من الأنسب - تفاديا للدخول في مَتاهات مطوَّلة - اختيار طريق ثالث، يتمثل في أن تتشكل الدولة الإتحادية المقبلة من عدد المحافظات التي يتكوّن منها اليمن منذ القِدم وهي ال (22) محافظة، لأن الإنتقال إلى دولة اتحادية بالمحافظات الحالية، سيكون أسهل وأيْسر ولا يحتاج لأكثر من اعتِماد اللامركزية السياسية أو الحُكم المحلّي، بدلا عن اللامركزية الإدارية في الدستور الجديد، هذا على المستوى الدستوري والسياسي. أما على المستوى المالي والإداري، فسيكون الأمر أكثر يُسرا وسهولة، لأن الإعتمادات المالية متوافِرة والأجهزة الإدارية جاهزة، ما يُسهّل تحوّل مؤسسات وهيئات السلطة الحالية من مجالس محلية ومكاتب تنفيذية ومحاكم استئناف في المحافظات، إلى أجهزة للولايات الجديدة. وخلُص الغيش إلى القول بأن "خيار فدرالية المحافظات في اليمن بتحويلها إلى أقاليم أو ولايات، هو الحل الجِذري لكل مشاكل اليمن، كما يراه البعض، وهو الذي نعتقده ونؤيّده، لأن ذلك هو ما حصل بالنسبة للدولة الألمانية، حيث أصبحت دولة اتحادية من 16 إقليما، وذلك بجمع الولايات في ألمانيا الغربية وعددها 11 ولاية مع ولايات ألمانيا الشرقية وعددها 5 ولايات، وهذا النموذج هو الأكثر مُلاءمة مع الشكل الاتِّحادي والنظام السياسي الرِّئاسي ونظام التمثيل النِّسبي في الانتخابات"، حسب رأيه. إجمالا، يُمكن القول أن ما سيُعيق الإنتقال الفعلي لليمن باتجاه الدولة الإتحادية، هو تمسّك كل طرف برُؤيته التي تضمن له استِمرار تحكّمه بالمجالات الجغرافية، التي ظل مُسيْطراً عليها، غيْر مُستوعِب أن الهزّات التي تعرّضت لها مختلف مناطق البلاد في الآونة الأخيرة قد حفّزت التطلّعات الشعبية إلى العدالة والمساواة وإلى الشّراكة في السلطة والثروة، وأنه لم يعد بمقدور القوى التقليدية استمرار التحكّم في الجغرافيا والسكّان، انطلاقاً من حسابات الماضي.