ذات يومٍ سألتُ طفلاً في الصف التاسع: حين تكبر وتتخرَّج من الجامعة ماذا تريد أن تكون؟ فأجابني بسرعة: "أشتي أكون كافر".. يا لطيف، وليش تشتي تكون كافر يا بطل!! قال لي: أنت ما بتشوف الكفَّار في المسلسلات وهم بيأكلوا لحم، وقدَّامهم موز وتفَّاح وبرتقال، والمسلمين بيتعذَّبوا؟ قلت له: يا بنيَّ المؤمن ممتحن، وإذا أحبَّ الله عبداً ابتلاه.. فقاطعني قائلاً: يعني ضروري المؤمن يكون مُمتحن، والكافر الذي يعصي الله مرتاح ولا يحصل له أي حاجة!! لا أدري من أين أتى الولد الصغير بهذا الكلام الكبير؟ رغم أن حداثة سنه لا تسمح له بقراءة كتب تحتوي على مثل هذه الأفكار، أو أنه يتأمل في كلِّ ما حوله بعقلية فيلسوف، بغضِّ النظر عمَّا ذهب إليه في حديثه، فهو لا يريد أن يكفر فعلاً، وليس لديه أي ميولات إلحادية.. لا يقصد شيئاً سوى أنه يريد أن يعيش مرتاحاً، ويرى أن الكفَّار وحدهم هم المرتاحون. تركته ومضيت، وأنا أفكر في كلامه وأسترجع الماضي، مُقارناً بين حال المسلمين والكفار.. ولم تخطر في بالي المقولة التي يُردِّدها الفاشلون دائماً بأن الدنيا هي جنة الكفَّار، لأن بإمكاننا تحويل الدنيا إلى جنة مثلهم، ولا مانع أن نعيش في جنَّتين، جنة الدنيا والآخرة. ولم تخطر في بالي مقولة الكسالى بأن الله خلق الكفار لخدمتنا، حين نتحدث عن إنجازاتهم، مقابل أننا شعوب مستهلكة ولا تستطيع أن تنتج لنفسها شيئاً. المسلمون يتقاتلون في كلِّ بقاع الأرض، والكفار يعيشون بسلام.. وقد وصلوا إلى الفضاء لأنهم آمنوا بقيمة العقل وأهمية العمل، ونحن اكتفينا بالاستهلاك والاتِّكال. لا يمكن أن يُنقذكَ الله حين تُلقي بنفسك في البحر وأنتَ لا تجيد السباحة.