وجه الرئيس الألماني يواخيم غاوك نقدًا لاذعًا لسياسة تركيا في مجالات الديمقراطية وحقوق الرأي والصحافة، فجاء رد رئيس الوزراء التركي عنيفاً حينما قال إن غاوك يظن نفسه واعظ الكنائس الذي كان يومًا. وذكر الكسندر غراف لامبسدورف، مرشح الحزب الليبرالي الأبرز للانتخابات البرلمانية الأوروبية، أن العلاقات بين دول أعضاء الاتحاد الأوروبي يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل. وهي اشارة واضحة منه إلى ردود فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي سخر من ماضي الرئيس الألماني يواخيم غاوك، الذي كان واعظًا في أيام حكم ألمانيا الشرقية السابقة. وطالب لامبسدورف بوقف المفاوضات حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي في الحال، مشيرًا إلى أن غاوك مس عصبًا حساسًا من أعصاب الحكومة التركية، "وتركيا تحت سطوة اردوغان لا مكان لها بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".
الواعظ الذي كان وكان غاوك قد تحدث في انقرة، أمام حشد من طلبة الجامعات، مشيدًا بالعلاقات الاقتصادية بين تركياوألمانيا، وبتطور العمل المشترك في مجالات البحث العلمي. وانتقد غاوك سياسة انقرة في الديمقراطية، وحجبها لبعض المواقع على الشبكة الالكترونية، كما انتقد تدخل الدولة في القضاء وتجاوزاتها على حرية المعتقد والصحافة. ورد اردوغان، بعد انتهاء الزيارة، بالقول إن ما تحدث عنه غاوك لا وجود له في تركيا، وربما يعتقد نفسه "الواعظ" الذي كان يومًا. واتهم رئيس الوزراء التركي الرئيس الألماني بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية، ووصف انتقادات غاوك بال"قبيحة".
اتفاقيات ثنائية بالنسبة للامبسدورف، تركيا ابتعدت كثيرًا عن القيم الأوروبية، خصوصًا في مجالات الديمقراطية وحقوق الأفراد والقانون. ودعا إلى وضع المفاوضات حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي في الثلاجة، "لأنه من غير الممكن التفاوض مع دولة شبه استبدادية تخرق قوانين الحريات العامة وحقوق الإنسان". وأشار لامبسدورف إلى دول أوروبية مهمة تتفق مع موقفه من تركيا، خصوصًا فرنسا وهولندا والنمسا وبلجيكا. ووجد لامبسدورف في المرشح للبرلمان الأوروبي ماركوس فيربر، عن الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق للحزب الديمقراطي المسيحي، نصيرًا له في الموقف من تركيا، اذ طالب فيربر أيضًا بانهاء المفاوضات مع تركيا حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وقال فيربر إنه من الممكن عقد اتفاقات ثنائية متبادلة بين الدول الأعضاء في الإتحاد مع تركيا، على غرار ما يجري مع سويسرا، واعتبر أن التعاون مع تركيا ممكن فقط في بعض المجالات، لأن تركيا تبتعد شيئًا فشيئًا عن القيم الغربية.
ملف واحد من 35 معروف أن المفاوضات حول عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي تجري منذ أكثر من 10 سنوات، وخصص 35 ملفًا لبحث التفاصيل المختلفة من الاتفاق المفترض. ولم ينجز حتى الآن سوى ملف واحد، وهو الملف الخاص بالتعاون الاقتصادي والاختراع والبحث العلمي. ولا يزال هناك 14 ملفًا عالقًا، بينما اغلق 18 ملفًا لعدم جدوى التفاوض بشأنها. وطالب وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير في شباط (فبراير) الماضي بإعادة فتح الملفين 23 و24 بعد أن اغلقا لفترة طويلة، وهما الملفان الخاصان بحقوق الإنسان ودولة القانون. وقال شتاينماير حينها إن بوابة المفاوضات يجب أن تبقى مفتوحة رغم كل العوائق. وتحاول تركيا منذ سنوات الاستفادة من اختلاف المواقف بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي لدفع المفاوضات إلى الأمام. وجرى ذلك على وجه الخصوص أثناء تحالف الحزبين الكبيرين لتشكيل الحكومة المشتركة (2005-2009 وحاليًا)، حيث يلعب الحزب الديمقراطي الاشتراكي دور "الكابح" لموقف المسيحيين، الداعي إلى الاستعاضة بموقف الشريك المميز لتركيا عن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
سياسة مرنة هذا مغزى دعوة شتاينماير إلى ترك الأبواب مفتوحة أمام عضوية تركيا، لكن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تطالب تركيا بتطبيق كامل شروط الاتحاد الأوروبي كي تضمن مواصلة حوار عادل وواعد، حول عضويتها في الاتحاد.
وسبق لميركل أن لوّحت لرجب طيب اردوجان ب "الشراكة المتميزة" بدلًا من العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي في أول تصريح لها بعد تسلمها منصب المستشارية للمرة الاولى في 8 آب (أغسطس) 2005. ويقال إن ميركل احتفظت بصمتها بضغط من حليفها الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي يحذّر من سياسة المواجهة مع تركيا، إلا أنه لا تتوفر اية مؤشرات على رغبتها بانتهاج ذات السياسة "المرنة" التي انتهجها سلفها الاشتراكي جيرهارد شرودر. وتنتهج ميركل عادة سياسة متشددة تجاه تركيا، وخصوصًا في قضية الاعتراف بقبرص، وفي قضية حقوق الأقليات.
تأييد لسياسة ميركل وكشف آخر استطلاع للرأي أن مستشارة الوسط تتمتع بشعبية كبيرة داخل حزبها وقيّمها 92% من أعضاء الحزب ايجابيًا. ومنحت نسبة 88% لعملها الحزبي، كرئيسة حزب أيضًا، درجة جيد أو جيد جدًا. وجاء في الاستفتاء الذي أجرته مجلة "شتيرن" المعروفة أن المستشارة تحظى بتأييد قاعدة حزبها أيضًا بسبب موقفها المتشدد من قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي. ووقف 90% ممن شملهم الاستفتاء ضد عضوية تركيا في الاتحاد. العديد من الصحف الألمانية أعادت الصراع حول عضوية تركيا، وحول تهكم اردوغان على غاوك، إلى عصور الحرب الصليبية. وفسرت هذه الصحافة، وبينها جريدة "تزايت" الاسبوعية المعروفة، كلام رئيس الوزراء التركي عن "الواعظ" غاوك على انه الخوف القديم من البعثات التبشيرية المسيحية في الشرق. وربطت الصحيفة أيضًا بين موقف اردوغان اللاذع من غاوك وبين تأييد الأخير لمطالب نحو 600 ألف علوي، من تركيا وسوريا والعراق، يعيشون في ألمانيا حاليًا.