سيواجه الذين لا يستسيغون اعمال المخرج الامريكي الشهير ستيفن سبيلبرغ ، وخاصة السياسية منها ، ويجدوها مليئة بالتمجيد المبسط لتاريخ بلاده ، العديد من المشاكل مع مسلسل "الباسفيك" ، والذي يقف سبيلبرغ خلف انتاجه ، جنبا الى جنب مع النجم توم هانكس مع قناة "الاج بي او" التلفزيونية الامريكية. فالمسلسل والذي بدأت عدد من المحطات الاوربية بعرضه مؤخرا ، يقدم تلك "الوطنية" الامريكية العاطفية الزائدة التي تميز العديد من اعمال المخرج ، ومنها فيلمه المعروف "انقاذ الجندي ريان" والذي عرض عام 1998 ، ومسلسل "رباط الاخوة" من عام 2001 ويقف خلفه فريق الانتاج نفسه الذي يقف خلف مسلسل "الباسفيك". هذه الاعمال تشترك في عودتها الى الحرب العالمية الثانية ، والدور العسكري الامريكي فيها. ففي حين قدم الفيلم والمسلسل المذكورين بعض من معارك الجيش الامريكي الفاصلة في اوربا ، يقدم المسلسل الآخير المعارك الطويلة التي اضطلع بها هذا الجيش ضد القوات اليابانية في جزر الباسفيك ، ويرافق وحدة عسكرية امريكية وهي تغوص في اهوال الحرب الفظيعة. واذا كان المسلسل المتالف من عشرة حلقات ، قد اخرجه 6 مخرجين من اجيال مختلفي الرؤية ، الا انه من اليسير كثيرا ، التعرف على اسلوب سبيلبرغ المعروف ، وخاصة في الدقائق الاولى من المسلسل ، والتي تقدم بمشاهد متفرقة ردود افعال الجنود الامركيين وعوائلهم على قرار تجنيد الشباب في المهمة العسكرية القادمة ، فالمشاهد تلك حفلت بالحماسة المغلفة بالعاطفة الامريكية الفاقعة ، وبدت ردود الجنود القادمين من خلفيات اثنية مختلفة متشابه ، وشديدة الايمان بالحرب ، والمهمة التي تنتظرهم. هذه التمهيدات اصبحت لازمة العديد من الاعمال السينمائية التجارية الكبيرة ، والتي تتجه الى جمهور واسع ، مقدمة لذلك الجمهور ما اعتاده من تلك الاعمال. لكن المسلسل ، وبعد ان يصل الجنود الى الجزر المتحارب عليها ، يبدأ في التقرب الى موضوعة الحرب ولا جدواها ، وهي الثيمة التي تتكرر على طول الحلقات العشرة ، ففي احد مشاهد الحلقة الاولى ، يتصفح احد الجنود الامركيين ما تركه الجندي الياباني الذي يموت امام اعيننا على الشاشة ، ليجد هناك صور عائلة تشبه تلك التي يحملها الجنود الامريكيين في محفظاتهم الخاصة. كذلك تقدم بعض المشاهد ادانة اكثر وضوحا للحرب ، مثل المشهد الطويل والصعب على المشاهدة ، والذي يظهر انهيار احد الجنود اليابانيين النفسي ، ووقوفة مكشوفا امام مجموعة ابطال المسلسل ، وتردد هؤلاء في تسديد بنادقهم لقتله. ولايمكن مشاهدة المسلسل دون التفكير بحروب العالم المعاصرة ، خاصة ان بعضها تقودها الولاياتالمتحدةالامريكية بنفسها . لكن هذا التذكير لا يمر بسلاسة كبيرة ، فالعمل يتارجح بين القراءة المبسطة للحرب ، والتي تتضمن منحها بعض الشرعية ، والتركيز المؤلم والمتمكن على جروح هذه الحروب الانسانية ، وضحايا تلك الحروب، من الذين يفقدون حياتهم بنيرانها ، او الذين ينجون بانفسهم ، لكن كوابيس الحرب تطاردهم لحياتهم كلها. وتشير ميزانية المسلسل والتي وصلت الى 150 مليون دولار ، الى جدية العديد من المنتجين ومحطات التلفزيون في استثمارها في مشاريع تلفزيونية عالية التكلفة ، وهو الامر الذي ميز مسلسلات العقد الاخير ، وخاصة الامريكية منها ، والتي وصفت بمحاولتها التشبة بالسينما ، رغم ان بعضها بتطويره اساليب خاصة في الاخراج والتناول ، والوقت المتوفر لها في تقديم قصصها دون عجالة ، قادر على التقرب من السينما ، بل هز عرشها ايضا!