بات من الواضح أن التقاء السلطة والمعارضة خالد الهروجي للتحاور ومعالجة الأزمات الراهنة أمر غير ممكن التحقق، لأن كلاً منهما أقنع نفسه سلفاً بأهمية أن يكون الحوار لصالحه وعلى حساب الطرف الآخر، وبدون ذلك لا حوار ولا التقاء، وبالتالي يمضي كل طرف باتجاه الخيارات المتاحة أمامه، وهو ما عبر عنه الخبر الرسمي لاجتماع اللجنة العامة لحزب المؤتمر، وكشفته تحركات أحزاب "المشترك" المعارض . ولأن ذلك كذلك، غدت محاولات إنقاذ البلاد مهمة في غاية الصعوبة، وتحول الحوار إلى لغز يقف أمامه من يهتمون لأمر اليمن من الأشقاء والأصدقاء وهم في حيرة كبيرة، تفوق حيرة الطلاب في حصة اللغة العربية وهم يحاولون حل لغز "الدجاجة في الزجاجة"، الذي وضعه لهم المدرس بعد أن وصلت علاقتهم بمادة اللغة العربية إلى درجة القطيعة والعداء بسبب قناعتهم المسبقة بصعوبة المادة وعدم قدرتهم على استيعابها.
وأصل حكاية هذا اللغز والتي وصلتني عبر الإيميل من الصحفي والإعلامي اللبناني عصام عبدالله، تقول أن معلم لغة عربية وكان يتصف بالحكمة والذكاء، وقف ليلقي على طلابه الدرس أمام اثنين من الموجهين حضرا لتقييمه قبيل الامتحانات النهائية، فقاطعه أحد التلاميذ قائلاً: يا أستاذ (اللغة العربية) صعبة جداً، وما كاد هذا الطالب يكمل حديثه حتى انطلقت أصوات جميع الطلاب بذات العبارة وكأنهم حزب معارض.
حينئذ سكت المعلم قليلاً ثم قال: حسناً سأستبدل درس اليوم بلغز، ففرح الطلاب وتجهم الموجهان، بينما قام المعلم برسم زجاجة ذات عنق ضيق على السبورة، ورسم بداخلها دجاجة، ثم قال: من يستطيع إخراج الدجاجة من الزجاجة شريطة عدم كسر الزجاجة أو قتل الدجاجة، وبدأت محاولات الطلاب التي باءت جميعها بالفشل وانسجم معهم الموجهان.
وبعد أن استبد بهم اليأس صرخ أحدهم قائلاً: لا تخرج الدجاجة إلا بكسر الزجاجة أو قتل الدجاجة، وبعد تأكيد المعلم على الشرط قال الطالب متهكماً: قل لمن أدخلها يخرجها، فضحك الطلاب، غير أن صوت المعلم أسكتهم وهو يقول: صحيح هذه هي الإجابة، وكذلك أنتم، وضعتم في عقولكم أن (اللغة العربية) صعبة، ومهما شرحت وحاولت تبسيطها فلن أفلح، إلا إذا أخرجتم هذا الاعتقاد من عقولكم دون مساعدة كما وضعتموه بأنفسكم دون مساعدة.
وهكذا هو الحوار، فالسلطة تريده يخرج الدجاجة حية ودون كسر الزجاجة، والمعارضة ترغب فيه، ولكنها تسعى لقتل الدجاجة وكسر الزجاجة في ذات الوقت، وكلاهما يتمسك بموقفه لأن قناعته المسبقة تقتضي التوجه للحوار الذي يحقق له المنفعة خصماً من حصة الطرف الآخر ودون تقديم أي تنازلات، وعندما تتخلى السلطة والمعارضة عن هذه القناعة سيسهل عليهما حل اللغز، وسيتحاورون وبسهولة سيخرجون الدجاجة من الزجاجة.