مبرزا تحديات ثورتها وزير خارجية تونس يحاضر بالجزيرة استعرض وزير الخارجية التونسي الدكتور رفيق عبد السلام، في محاضرة له بالجزيرة، أبرز التحديات التي تواجه بلده الخارج لتوه من ثورة ألهمت العالم العربي وألقت بتداعياتها على المنطقة برمتها. وقال عبد السلام، في حفل توديع له بمسرح الجزيرة، إن ما جرى في تونس لم يغير المعطيات في هذا البد فقط، وإنما غير العالم العربي بأكمله، "وهو دليل على تداخل الجغرافيا السياسية في العالم العربي، وأن توحد العالم العربي ليس على صعيد المخيال المشترك واللغة والتاريخ والدين فحسب"، وهو ما تبرزه الثورات المتلاحقة بعد ذلك في كل من مصر و ليبيا و اليمن و سوريا. وبحسب الوزير التونسي -الذي عمل قبل تقلده منصبه الجديد باحثا أول ورئيسا لقسم البحوث في مركز الجزيرة للدراسات- فإن تلك الثورات عبارة عن "عملية تغيير مؤجلة ومتراكمة ساهم الخارج في إجهاضها"، وإنها كانت تعتمل في النفوس وليست وليدة اللحظة. " عبد السلام: الثورات أخرجت العالم العربي من معادلة الاستبداد أو القاعدة التي طالما ركن إليها طغاة العالم العربي " خلاصات وعدد الوزير جملة من النقاط التي يمكن استخلاصها من الثورات العربية المتلاحقة، أولاها أن التغيير ممكن وأن الطغاة "ليسوا قدرا مقدورا". وثانيتها أن هذه الثورات أخرجت العالم العربي من معادلة "الاستبداد أو القاعدة" التي طالما ركن إليها طغاة العالم العربي، مهددين بأنه إما هم أو الجماعات العنفية، مبرزا أن ثمة خيارا ثالثا هو خيار الشعوب الذي تعبر عنه عبارة "الشعب يريد". وأما الخلاصة الثالثة فهي أن العرب ليسوا أقل توقا للديمقراطية والحرية من باقي الشعوب، وأن "الثقب الأسود" –بحسب تعبير عبد الوهاب المسيري- أو الاستثناء العربي الوحيد من التطلع العربي نحو الحرية، هو استثناء غير صحيح. ويشدد الوزير التونسي هنا على مفارقة ماثلة للعيان هي أن الأنظمة الجمهورية في العالم العربي بخلاف الملكية عاجزة عن "ترميم نفسها" وهي غير قادرة على عملية الإصلاح، وذلك بخلاف الملكية التي بقيت محافظة على نوع من التواصل مع الشعوب. " عبد السلام: ثورة تونس تجاوزت مرحلة الخطر بفعل روح التوافق العام بين مكونات النخبة التونسية " تجاوز الخطر وفي معرض حديثه عن التحديات أكد عبد السلام أن ثورة تونس تجاوزت حتى الآن مرحلة الخطر –التي تعبر عنها مقولة أن "الثورة تولد مجنونة"- وذلك بفعل روح التوافق العام بين مكونات النخبة التونسية، مشيرا في هذا الصدد إلى التحالف بين حزب النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي، وهو التحالف الذي يقود العملية الانتقالية الآن في تونس. كما أشار إلى أن تونس لم تعان من اضطرابات عارمة بفعل وجود "تقاليد إدارية" حيث بقيت كل المؤسسات والدوائر والمصالح "تشتغل"، وذلك على عكس ما حدث في بلدان أخرى انهارت فيها المؤسسات مع انهيار النظام. وثمن الوزير التونسي ما وصفه ب"الوفاقات المتأتية من التجاذبات السياسية" بدل هيمنة طرف واحد على مقاليد الأمور. وفي معرض توصيفه لواقع الحالة الحزبية في بلاده، أشار عبد السلام إلى وجود 108 أحزاب باعتباره "عاديا" في ظروف "التشكل هذه" ولكنها حالة لن تدوم، حيث يفترض أن تعقبها حالة تسود فيها "العائلات السياسية والفكرية الكبرى" لتختزل المشهد الحزبي، من تيار إسلامي وعروبي ويساري وليبرالي. " عبد السلام: بعض المجموعات اليسارية الفوضوية المحتمية بالاتحاد العام التونسي للشغل تحاول عرقلة الحكومة وجر البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية " تحديات وأما التحديات التي تواجه الثورة التونسية بحسب الوزير فهي أولا توقعات الناس العالية جدا من تحسين الحالة المعيشية وتوفير الوظائف في فترة وجيزة في حين أن الإمكانات محدودة. والتحدي الثاني اقتصادي وتنموي، حيث تتركز التنمية في العاصمة والمدن الساحلية مقابل المدن المهمشة في الداخل والجنوب، التي تريد تدارك ما فاتها منذ الاستقلال، خلال أشهر. والثالث، هو إمساك الخيط الفاصل بين ممارسة الحرية والفوضى، مبرزا أن "بعض المجموعات اليسارية الفوضوية المحتمية بالاتحاد العام التونسي للشغل" تحاول عرقلة الحكومة وجر البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية، لافتا إلى أنها لا تمثل أي شيء في تونس حيث يشار إليها بأحزاب "صفر فاصل فاصل". وأما التحدي الرابع فهو تجاوز الاستقطاب الأيديولوجي في مرحلة كتابة الدستور الحالية، مؤكدا أنه لا أحد يريد "الاتجاه نحو الأسلمة أو العلمنة"، وإنما الاكتفاء بما تنص عليه المادة الأولى من الدستور التونسي القديم من أن تونس بلد جمهوري لغته العربية ودينه الإسلام. وذكر الوزير التونسي أن من أهم التحديات الخارجية لبلاده إعادة ربط تونس بمحيطها، مشيرا إلى أن تونس بلد متعدد الأبعاد يتداخل فيه المتوسطي والمغاربي والعربي والأفريقي والمسلم "ونحن نحتاج إلى أن نتحرك على مختلف تلك الأبعاد".