حاولت في هذة المقالة البحثية أن أُسلط الضوء على ظاهرة طالما كانت , واحدة من أهم عناصر النكسات التي أصابت مُجتمعاتنا العربية , من خلال فرضها حلول مُجحفة و ظالمة , تكون نتيجتها دائماً على حساب تحريف الحقيقية لصالح إستمرار الباطل و تزييف الواقع , هذة الظاهرة هي ظاهرة التوفيق و الفكر التوفيقي الذي أعتبرها إستمرار لثقافة إستغفال المجتمعات و الشعوب العربية المُسلمة , عبر تصويرها حتمية قبول التناقضات في أفكارنا و معتقداتنا و معيشتنا , خدمةً لمصالح ضيقة للبعض . تراوحت آراء المُفكرين العرب فيما يتعلق بالفكر التوفيقي الذي إتصف به التأريخ العربي الإسلامي ( السياسي و الديني ) ما بين مُحبذ لهذا الفكر و ما بين رافض و ناقد له حيث سنجد محاولات الكواكبي في مناهضته للإستبداد بأنه يسعى لربط الإشتراكية بالإسلام ممتطياً التوفيقية الفكرية الخطابية , على غرار الشيخ جمال الدين الأفغاني الذي كان يوصف بأنه أحد المتنورين أو المستنيرين (Illuminati) - كان الأفغاني قد إتُهم بأنه كان مُنتسب للمحفل الماسوني المصري قبل خروجه منه بعد فترة من الزمن - الذي نُقل عنه قوله (الكهنوتية بين العبد وربه) وهو مسعى علماني أقرب ما يكون إلى التعابير العلمانية المُتعلقة بحريات الخيارات الدينية للأفراد . وهُناك العديد من الأمثلة التي قاربت الفكر التوفيقي بصورة إيجابية و سخرته لخدمة أفكارها و معتقداتها و حتى أنها ذهبت أبعد من ذلك عبر تسخير الفكر التوفيقي لشرعنة سلوك السلطة السياسية , كما نجد أن التوفيقية عند المفكر البحريني د . محمد جابر الأنصاري تعمد إلى التقريب بين الأضداد بتجاوز عوامل الصراع بينها وكبتها .ومن اللافت للنظر أن النزعة التوفيقية لم تأتي من فراغ، فقد كانت حجر الأساس فيما شهدته الحضارة العربية الإسلامية من فكر كلامي، سنجد أن اليمين الديني كما اليسار إستغل التوفيقية الكلامية في خدمة مشروعه الفكري . لكننا سنرى أيضاً أن هُناك معارضة ورفض قطعي للفكر التوفيقي من قبل الطائفتين أيضاً , فكما رفضها رجال الدين السلف خصوصاً الدكتور سٍفر الحوالي الذي رفض رفضاً مُطلقاً الفكر التوفيقيو أهلة بقولة "وهكذا جعلوا -وهم لا يشعرون- فلسفة اليونان ، وآراء الصابئين والبراهمة ، وخرافات المجوس والنصارى تقف موقف النِّد المنافس لما أنزل الله من الوحي المحفوظ المعصوم!! "...من كتاب: الأثر الكلامي في تطور الظاهرة , لم يقف رفض الفكر التوفيقي عند رجال الدين السلفيين - المتطرفين على إعتبار أن رجال الدين الذين إستخدموا التوفيقية وصوفوا ب المعتدلين - بل تعداه إلى أقصى اليسار و العلمانيين الليبراليين وعلى رأسهم الدكتور صادق جلال العظم , المُفكر السوري الذي إتُهم بالإلحاد بسبب كتابة "نقد الفكر الديني " الذي و في معرض تعريف الفكر التوفيقي أنه الفكر الذي يحاول ملائمة الأفكار المتناقضة و المُتنافية و لا يتم هذا التوفيق إلا بعد تحوير و تشوية القضايا التي يحاول التوفيق بينها . حيث إعتبر العظم أن التوفيقية ما هي إلا محاولات بهلوانية لإثبات توافق أراء و مُعتقدات مُتنافية يجعلها تبدوا على غير ما هي علية من التعارضو التنافي . و نستخلص أن التوفيقية التي صبغت ثقافتنا العربية و الإسلامية , خدمت كل شيئ بإستثناء الحقيقة و الإنسان . المراجع : "نقد الفِكر الديني " كتاب -صادق جلال العظم "ظاهرة التوفيقية في الفكر السياسي العربي..! " مقالة بحثية - دهام حسن "ظهور الفكر التوفيقي ونتائجه" كتاب - سفر الحوالي