في حديث قرأته للمفكر «محمود أمين العالم» عن مفهوم «التوفيقية» التي اتسم بها الفكر العربي قديمه وحديثه، وهو ما اعتبره أغلب مفكرينا وكتّابنا جوهر حقيقتنا التاريخية، وذاتنا العربية والإسلامية، وهي بمعناها «الوسطية» فهي علاقة بين طرفين مختلفين، يُظن بها حالة اتفاق وهي في الحقيقة تغليب مصلحة طرف على حساب الطرف الآخر أو إلغاء طرفين لحساب ثالث، وهو مفهوم الازدواجية والثنائية التي نحياها في كل ممارساتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ما نلمسه من هذه الحقيقة الفكرية ينطبق على ما يحدث الآن في الساحة العربية في محاولة عقيمة للوصول إلى الاستقرار السياسي والنهوض بالمجتمعات. فمصطلح الوفاق لا يطبق الآن في أية دولة، وما يطبق الآن هو مصطلح «التوفيقية» يؤجج الخلاف والنزاع ويعمق الصراع السياسي والاجتماعي. «التوفيقية» إذاً هو ما تمارسه وتمثله النظم العربية في جميع الأصعدة، كما نراه في سياسة جامعة الدول العربية، وهو ما شلّ فاعليتها وعطل خدمة المصالح العربية، في اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن السياسات الداخلية والخارجية والتكامل الاقتصادي للقضاء على التخلف العربي. وداخل هذه الدائرة تدور البلدان العربية بعد ثوراتها، وإشاعة الفكر التوفيقي اللاعقلاني، وهي قضية هيمنة سلطوية لطبقات وفئات اجتماعية تفرز وتغذي هذه الفكرة، وهي ما تبنتها النظم السائدة من تحقيق سيادتها على هذه الأمة، وهو ما كرس التخلف بقاء المشاكل كما هي، بل يزداد التشظي والانقسام بين أمة تحاول النهوض.