في ظل أجواء تتسم بالتوتر والشك في أعقاب سقوط أكثر من 40 قتيلا وعشرات الجرحى في مواجهات الأسبوع الأخير، واستمرار المظاهرات الحاشدة في ميدان التحرير المطالبة برحيل العسكر عن السلطة يستعد الناخبون المصريون إلى التوجه يوم 28 نوفمبر إلى صناديق الإقتراع لاختيار نوابهم في مجلس الشعب. وفي حوارات أجراها مراسل swissinfo.ch بالقاهرة، أوضح محللان مصريان متخصصان في المراقبة الإعلامية والتحليل السياسي، أن أبرز ما يُميز حملات الدعاية التي أطلقها المرشحون والأحزاب المُتنافسة على مقاعد مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، المقرر انطلاق مرحلتها الأولى يوم الإثنين، هو أجواء الحرية، التي يمارسها الجميع في مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالنظام الديكتاتوري، الذي أطْبق على صدور المصريين طوال ثلاثة عقود كاملة.
ومن أكثر ما شدّ انتباه المصريين خلال الحملات التي انطلقت مبكّرا، هو الإتجاه إلى إقامة معارض للملابس والأدوات المدرسية والخُضروات والسلع الغذائية بسِعر التَّكلفة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهَده البلاد منذ اندلاع الثورة، مُشيرين إلى أن دعاية أحزاب ومرشّحي الإسلاميين عامة، وحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، كانت "الأكثر مُلاءمة مع واقع الناس" حسب المحللين.
ورصد المحللان أيضا تخطّي غالب الأحزاب والمرشحين للسّقف المالي المسموح به من قِبل اللجنة القضائية العليا للانتخابات، وهو ما يبدو من حجم وكثافة الحملات الدعائية، خاصة مع اتساع الدوائر الإنتخابية هذه المرّة عن سابقتها، لافتين إلى وقوع تجاوزات واشتباكات بين أنصار المرشحين على اختِيار الميادين والشوارع والأماكن المميزة، لتعليق وسائلهم الدعائية.
ملامح إجمالية في البداية، يشير عبد الرحمن سعد، الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام، إلى أن "أول ما يُلفت الإنتباه في حملات الدِّعاية الانتخابية هذه المرّة، الكمّ الهائل من الوسائل الذي تمتلِئ به شوارع مصر وحواريها، لجميع الأحزاب والأفكار والتيارات والأفراد. فهذا الانتشار الواسع لوسائل الدّعاية الانتخابية بطُول مصر وعرضها، لم تشهده مصر منذ اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، التي ألغت الأحزاب، والفضل في هذه الوضعية الجديدة، يعود إلى ثورة 25 يناير، التي أعتبرُ أن أجواء الحرية التي نعيشها هي أولى ثمارها".
غيْر أن أحمد فودة، الباحث والمحلل السياسي يرى أن "الحملات الإنتخابية لم تتغيّر كثيرا عمّا كانت عليه في الماضي، حيث اعتمدت بالأساس على التلاقي الشخصي بين المرشح والحزب، عبْر إقامة المؤتمرات وتعليق "البوسترات" (الملصقات)، مع استخدام وسائل التأثير الإقتصادية، المتمثِّلة في توزيع مساعدات اقتصادية على الناخِبين، مثل الملابس واللحوم وغيرها"، معتبرا أنه "لم يكن هناك اهتمام كالعادة بشرح البرامج الانتخابية، التي يُمكن على أساسها أن يُوازن الناخب بين مرشح وآخر، وحتى الأحزاب التي قامت بوضع برامج انتخابية لها، لم تقُم بشرحها للناخبين واكتفت ببَث خطوط عامة عنه في وسائل الإعلام".
أبرز الملاحظات السلبية في سياق متصل، يعتبر سعْد أن "أبرز السلبيات تبدو في الفوارق المالية الهائلة بين أحزاب تنفِق بالملايين على حملاتها الإنتخابية وأحزاب أخرى لا تمتلك أي رصيد من المال. وينطبق هذا أيضا على المستوى الفردي، حيث لا يتمكّن شباب الثورة المتقدمون للإنتخابات، من مجاراة فُلول الحزب الوطني (الحاكم سابقا) في إنفاقهم المالي. أضف إلى هذا، قيام بعض البلطجية وعناصر مجهولة (يتبعون في الغالب فلول الوطني المنحلّ وعناصر تابعة للنظام البائد)، بتمزيق دعايات المنافسين، فجرا وفي الليل حتى لا يراهم أحد".
وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، يشير سعد، المراقب الإعلامي المتخصص في الشؤون المحلية، إلى أن من الظواهر السلبية أيضا "تأخُّر صدور قانون الفساد السياسي، حيث تمكّن فلول (الحزب الوطني) المُنحلّ من تأسيس أكثر من عشرة أحزاب ودخلوا الدوائر بالعشرات، ولأنهم الأكثر مالاً، فإنهم الأعلى صوتا ودعاية وإنفاقا في الدوائر التي ينافسون فيها".
في المقابل، اعتبر فودة أن من أبرز سلبيات الحملات الدعائية التي شهدتها مصر في الأسابع الأخيرة "عدم وجود برامج واضحة للمرشحين، خاصة المستقلين منهم، والإعتماد على الأساليب القديمة في الدِّعاية، والتي تقوم على فِكرة أن المرشح هو في الأصل نائب خدمات، وليس نائبا عن الأمّة، يراقب الحكومة ويقوم بسَنِّ القوانين والتشريعات اللازمة، وهناك أيضا ظاهرة استمرار سيْطرة العصبيات على بعض الدوائر في الإقليم، خاصة في الصعيد، حتى لو كان المرشح أحد أعضاء الحزب الوطني المنحلّ، فالأمر يتعلّق بهيبة العصبية، أكثر منها تمثيل الناخبين".
أبرز الملاحظات الإيجابية وحول أبرز الملاحظات الإيجابية، التي يمكن رصدها خلال الحملات الدعائية، يقول فودة: "وجود تنافُس حقيقي بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، أدّى إلى اهتمام أكبر من قِبل المرشحين بالتّعبير عن مطالبهم، أيضا اهتمام بعض الأحزاب بوضع برامج انتخابية، وإن كان - كما أشرنا - بدون الاهتمام بنشرها وشرح تفاصيلها بين الناخبين".
وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، يُضيف فودة، مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة: "هناك أيضا ظاهرة التحالفات الانتخابية بين الأحزاب والقِوى السياسية، وهي ظاهرة لم تكُن موجودة من قبْل، نتيجة طبيعة النظام الديكتاتوري السابق، الذي كان يعمل على نشر الفُرقة والخلاف بين الأحزاب والقِوى المختلفة لإضعافها، وهذا الأمر سنحتاجه مستقبلا بشدّة، لأنه لا توجد قوّة سياسية قادِرة بمفردها على حُكم البلاد، فلابد من التوافق مع باقي القوى، وستكون تلك التحالفات الانتخابية، أساس مُناسب، ربما لحكومة ائتلافية".
ويرصد سعد من "الملاحظات الإيجابية، مشاركة عدد من الشباب في العقدين الثاني والثالث من العمر، ومثال على ذلك: هناك المرشحة سمية التركي (بدائرة شرق الإسكندرية)، عمرها 25 سنة فقط، وصور هؤلاء الشباب من الجنسيْن، تملأ الشوارع، سواء على قوائم الأحزاب أو على النظام الفردي، كما اتّسعت الدعاية الانتخابية لتشمل عناوين وأفكارا وتوجُّهات فِكرية وسياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يعبِّرون عنها بمُنتهى الحرية ودون تضييق ودون خوف من بطْش الأمن، لأول مرّة في مصر".
الدعاية.. طرائف وغرائب! وحول أطرف الدِّعايات الانتخابية، يذكِّر فودة أن "هناك الدِّعاية التي قامت بها بعض الأحزاب السَّلفية (حزب النور)، حيث قامت بوضع وردة بدل صورة المرشحة، لأن صورة المرأة في فهمهم للشريعة عورة"، معتبرا أن "أطرف الدعايات الانتخابية، فهي تلك التي مارسها الإخوان بهدف الوصول إلى كافة أطياف الشعب المصري، بنوع عالٍ من الحِرفية، سواء فيما يتعلق بالتواصل الشخصي أو فيما يتعلق بالتواصل الإعلامي، خاصة أماكن وضع "البوسترات" الخاصة بحزب الحرية والعدالة".
ويعلِّق سعد على "حملة حزب الوفد، التي أطلقها عبْر مجموعة فضائيات (الحياة)، التي يملكها رئيسه الدكتور السيد البدوي"، معتبرا أن "الوفد هو الأكثر فشلاً في الدعاية الانتخابية، حيث يتّخذها كثير من المصريين مادةً للسُّخرية، فيما تمَس حملات حزب الحرية والعدالة، الجانب الإنساني لدى المصريين، وهو ما يدفع غالبية الأسَر إلى متابعتها والتأثر بها وإعلان التعاطُف معها، خاصة عندما يُتابعون حملات الحزب عبْر الفضائيات".
ويُشير سعد إلى أن "حملات الإسلاميين، رغم خِبراتهم المحدودة، أكثر نجاحا من حملات الليبراليين، كما لا يستسيغ الشارع المصري أن يقدِّم بعض شباب الثورة (زياد العليمي في دائرة حلوان مثلاً) أنفسهم في حملاتهم الدعائية، باعتبارهم مفجِّري الثورة، فيما لا يهتَم رجل الشارع إلا بلُغة الخدمات التي يقدِّمها له في الغالب الإسلاميون بفصائلهم المختلفة، والتي كان أبرزها، معارض بيع السِّلع الغذائية والخُضروات والأدوات المدرسية والملابس بأسعار التكلفة".
ومن الطرائف التي يرصُدها سعد أيضا "المعارك اليومية بين أنصار المرشّحين والأحزاب، من أجل الاستيلاء على الأماكن والميادين المهمّة لتعليق الدعاية الانتخابية، فضلاً عن اهتمام حزب النور السَّلفي في الإسكندرية بلافتة علّقها مواطن قبطي يُعلن فيها تأييده للحزب السلفي، وذلك بجوار محلّه، حيث استثمرها الحزب جيدا في الردّ على مُهاجميه"، مشيرا إلى "الاستعانة بقدر هائل من النيوميديا (وسائل الإعلام الجديدة) في الدِّعاية الانتخابية، والفيس بوك وتويتر والمواقع الشخصية واليوتيوب".
التزام محدود بالضوابط وعن مدى التزام المرشحين والأحزاب بالضوابط التي وضعتها اللجنة القضائية العليا للانتخابات، يرى فودة أنها "تتعلّق بمنع استخدام الدِّين في الدعاية الانتخابية، وهو ما أدّى إلى دخول الإخوان في صِراع مع اللجنة، خاصة مع إصرارهم على استخدام شعارهم التقليدي (الإسلام هو الحلّ). ففيما أعلن الإخوان في البداية أن شعارهم قانوني ويتَّسق مع مواد الدستور، خاصة تلك التي تقِر بأن مبادئ الإسلام هي المصدر الرئيسي للتشريع، مُستشهدين بأحكام قضائية حصلوا عليها سابقا، أصرّت اللجنة على رفضه، وانتهى الأمر إلى اتخاذ الإخوان شعارًا بديلاً هو (نحمل الخير لمصر)".
ويشير فودة إلى أن "هناك العديد من الأحزاب السياسية والمرشّحين، لم يلتَزموا بضوابط اللجنة القضائية العليا للانتخابات، خاصة ما يتعلق باستخدام الدِّين في الدعاية، كاستخدام دُور العبادة، حيث وجدنا ذلك خلال الأعياد والمناسبات الدِّينية، خاصة في خُطبة عيد الضحى وخُطَب الجمعة والدروس الدِّينية، التي تُلقى في بعض المساجد، وهو ما دفع بعض القوى العلمانية لأن تطلُب من اللجنة العليا للانتخابات مواجهة هذا الأمر".
مختلفا مع فودة، يرى سعد أن "هناك نِسبة جيدة من الالتزام بالضوابط التي وضعتها اللجنة القضائية العليا للانتخابات، وقد لاحظت الالتزام الصّارم من ناحية الإسلاميين بتلك الضوابط، والعجيب أن السلفيين كانوا أكثر التزاما حتى من الإخوان، في عدم استخدام أو توظيف الوسائل الدِّينية في الدعاية الانتخابية"، مشيرا إلى أن "ما نراه من حجْم الدعاية، خاصة مع اتساع الدوائر في هذه الإنتخابات، يكشِف عن عدم التِزام أي حزب أو مرشح بسقْف الإنفاق المالي، الذي حدّدته اللجنة، لاسيما فلول المُنحلّ".