لم يعد خافيا أن الدين اتخذ وسيلة لتحقيق مآرب وأغراض ومنافع خاصة شخصية أو جماعية، وقد كشفت حقائق الواقع هذه المسألة بمرارة، وكان الناس في حضرموت إلى وقت قريب يثقون في الداعي إلى دين الله وتقواه ثقة قصوى لأنهم تنشؤوا على وجوب الصدق لا سيما في التعامل مع الدين ونقل كلمته بإخلاص يقوم بها العلماء والأتقياء والمصلحون، واكتشفوا من واقع الأحداث المعاصرة في العقود الأخيرة كما اكتشف كثير من العرب والمسلمين هذه الحقائق التي صدمتهم بعنف، من غير أن ينفي هذا أن كثيرا من الصادقين كانوا وسيظلون يحملون كلمة الله ويدافعون عنها، ولكن الحابل اختلط بالنابل، وصار كثير من الشك يداخل صدور الناس بدل حسن الظن، مما ينتج موقف مراجعة لا من الدين حاشاه، ولكن من مسميات ناطقة باسمه أحزابا كانت أو جماعات. وقد عرفت حضرموت في تاريخها القريب استغلال الدين لتحصيل شيء من شؤون المعيشة أو لتحقيق وجاهات اجتماعية (دينيوية) لكن هذا ظل محدودا في إطار المنافع الخاصة، وعند أسماء محدودة جدا، ولم يبلغ به الحال أن يصيرا أمرا تدميريا يشمل الأمة كلها. نحن الآن أمام موجة اجتماعية واضحة من الانتقاد لهؤلاء، فكم رفعت آيات الله يزعم بها كل فريق أنه على الحق، وكم سالت باسمها دماء، وصارت مظالم في سبيل نشر المبادئ بالقوة والإكراه، وما كانت الدعوة إلى دين الله إلا بالحكمة والموعظة الحسنة كما نص القرآن الكريم. الأمر الذي نتج عنه تمزق مرجعية الناس واضطرابهم وهم يبحثون عن النموذج الذي يحتذونه أو يثقون به، لاسيما أنهم كانوا وما زالوا وسيظلون لا يثقون في من يرفع قيم الأخلاق من غير علماء الدين في ما يعرف (بالقيم الإنسانية) لربطهم بين الأخلاق والدين ربطا جدليا، وأن الأخلاق التي تأتي نتاجا للعقل أو نتاجا للتجربة الاجتماعية الإنسانية تظل قاصرة ما لم يكن الدين مصدرها، وما لم يكن الداعي إليها ملتزما للفروض والواجبات الدينية، ولذلك فشلت التوجهات الماركسية والقومية فضلا عن الحزبية الدينية في انتشال الأمة، وازداد الواقع اضطرابا، وصارت النتيجة الاحتكام إلى لغة السلاح، والفعل والفعل المضاد بعنف لم يسبق له مثيل، وبطرائق من التفنن في التعذيب والقتل، وبالجملة، كما يجري الآن في سورية ومصر.. العالم العربي اليوم كمن ينتظر معجزة تخلصه من هذا الوضع الذي آل إليه، الأمر الذي قد يبشر بزيادة روح الخرافات والدجل، والتجهيل، وبهروب الشباب إلى القنوات والإنترنت يبحثون فيها عما ليس له علاقة بواقع مجتمعاتهم كالأغاني، وأفلام الجنس، والتنويعات الفنية، والبرامج العلمية، والصداقات المسلية، فيدخلون في ثقافة العولمة دخولا مرتبكا لاسيما أنها ثقافة مفاجئة على مجتمعاتهم ومعرفتهم المتواضعة مما ينشط فيهم الجانب الغرزي والحيواني بصورة أكبر.. وربما الانفعالي والعدواني، ولا يمكن لعمومهم الإفادة من الجوانب العلمية إلا في حالات نادرة ومحدودة. تأتي هذه الاهتمامات لتحل محل كل التوجهات السابقة التي تركت مكانها فارغا حيث سيلهث الشباب بالضرورة خلف ما يملأ عقولهم ويمنحهم الإحساس بحياتهم ووجودهم، لكن الرغبة في استعادة روح أمتهم ستظل كامنة –في ما أظن- في لا وعيهم كما يقول علماء النفس، غير أنها بحاجة إلى من يعيد تفعيلها وتنظيمها فيهم، لكن متى؟ وكيف؟ ذلك ما لا يمكن التكهن به.