إشارة لابد منها هذه الإشارة لا علاقة لها بأصل هذا المقال الذي نشر في حياة الأستاذ المؤرخ عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي، وهو مقال تبعه مقالات خصصت للحديث عن بعض مناقب أستاذنا الجليل، وكان رحمه الله يتصل مباشرة بعد نشر كل مقال معاتبًا ومطالًبا في التقليل من ذكر ما يستحقه، وفي كل مرة يكون ردنا : إنه القليل، وما تستحقه أكثر، وقد تعمدنا كتابة تلك الومضات لأننا نرى أن قول كلمة حق لمن يستحقها في حياته خير من ألف كلمة تقال بعد رحيله، وكل على خير. في الفقرة الأخيرة من هذا المقال جاء : (لا تزال متنوعة إبداعات أستاذنا الملاحي من الأدب والعادات الاجتماعية والهجرة إلى الملاحة البحرية والتاريخ ) ومع إيماننا بقضاء الله وقدره نقول : سيظل الملاحي حيا في قلوب محبيه ، وفي ما تركه من علم نافع، ، وذكر حسن عند الناس. وسيظل ممتدا في تلاميذه الذين تخرجوا في مدرسته العلمية والخلقية الرفيعة. [انتهت الإشارة] الملاحي ذاكرة الشحر وحارس تاريخها ترددت كثيرا عندما راودتني فكرة الكتابة كخواطر عن أستاذي القدير عبد الرحمن الملاحي, لأن ذاكرتنا الجمعية (العربية)تعد ذلك ضربا من التشاؤم والفأل غير الحسن , رغم إيمان الكثير منا العميق بالقضاء والقدر. وما شجعني على الكتابة معرفتي الخاصة بتدين أستاذي ومسحته الصوفية .إن الذكر الحسن لمن لهم إفضال علينا له من باب الوفاء المحمود وله فوائد كثيرة……ولأن ما نكتبه عبارة عن خواطر فليعذرنا القارئ أن الخاص فيها سيطغى على العام أنا والملاحي في الهواء ….. كانت أول معرفة لي بالأستاذ الملاحي عن طريق قراءتي لما يكتبه في الصحف والمجلات, ثم ما أسمعه عنه من بعض الأصدقاء عندما نتجاذب أطراف الحديث في الشأن الأدبي والتاريخي ,بخاصة تاريخ الشحر والملاحة البحرية.أما أول مشاهدة مباشرة فكانت سنة 1989م في كلية التربية بالمكلا (جامعة عدن) عندما حضر مشاركاً في ندوة المقاومة الشعبية في حضرموت وكنت حينئذ طالباً في المستوى الرابع تخصص تاريخ .ثم جرت أيام ودارت شهور وانطوت سنين ,وإذا بي أرى الأستاذ الملاحي للمرة الثانية في صالة مطار الريان وكلانا كان مستعداً للسفر إلى عدن ….كنت في ذلك الوقت طالب ماجستير في كلية الآداب جامعة عدن في السنة الأولى التحضيرية ,وقد كلفت ضمن تكليفات أخرى من قبل الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم تحقيق بضع أوراق لمخطوطة يختارها الطالب , وقد اخترت مخطوطة (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر)…..و في أثناء التحقيق واجهتني بعض المصاعب في تفنيد وتفسير بعض الأحداث التاريخية وبعض الألفاظ العامية (الشحرية ) التي تعود إلى القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي . لهذا مثل الملاحي هدفاً وغنيمة لابد من الظفر بها ولأن صالة المطار غير مناسبة (للغزوة)فقد دبرت خطة سريعة أضمن جلوسي بجانبه في الطائرة أو بالقرب منه ….وتحقق ما أريد هاهو هدفي بجانبي وكتفي بجانب كتفه و بيدي تحديد لحظة الانقضاض وما إن استقرت الطائرة في الهواء وأذن لنا بفك الأحزمة المقيدة لتحركاتنا, حتى بدأت هجومي المباغت فأمامي 50 دقيقة لابد من استغلالها في حوار مركز ومباشر ثم – وهو الأهم – أحاول تثبيت أساسات جسور علاقة صداقة مستقبلية …..ولكن النوايا الماكرة التي أحملها , والمؤامرات المدبرة, والخطط المرسومة,فشلت في دقائق معدودات وتحول السحر على الساحر ولكن مع تعديل ذكي في أسلوب المواجهة من قبل أستاذي, تكسرت بموجبها حواجز ,واختصرت مسافات وأصبح البساط(شحري) وجرت بيننا مناقشة هادئة وودية وتحصلت على اكثر مما أريد .والوقت في الهواء مر كالهواء . وفي الشحر مستمرة اللقاءات ….. في أواخر سنة 1994م أنهيت السنة التحضيرية لدراسة الماجستير ولم أحسم بعد قراري في اختيار موضوع الرسالة, وكنت أميل قليلا لتحقيق مخطوط (النفحات المسكية في تاريخ الشحر المحمية) لباحسن , وكان لزاما علي أن اشد الرحال للمرة الثانية إلى مكتبة المخطوطات بتريم لأطلع عن قرب على النسخة الأصلية وأنسخ بعض الأوراق لتقديمها مع مشروع البحث. وفي تريم التقيت بالشيخ علي سالم بكير…. ثم كان لابد من زيارة الشحر والملاحي للتشاور. وبعد ترتيب يسير للقاء وجدتني في عقر داره ومعقله,وقد ذكرت لأستاذي خياراتي في تحديد موضوع الرسالة شارحا وجهة نظري ,ثم عقب على هذه الخيارات مبينا أهميتها جميعا , وبدلوماسية الشحري تعمد أن يكون القرار النهائي نابعا من قناعاتي , بعد ذلك غادر الغرفة لثوانٍ وأحضر لي نسخة مصورة من مخطوطة النفحات المسكية (مشروع الرسالة) وعرض تقديمها لي عند استقرار رائي على دراستها وتحقيقها….المهم شاء الله أن لا تكون هذه المخطوطة موضوع الرسالة لأسباب لاداعي لذكرها ….. بعدها عيّن الدكتور أحمد محمد بن بريك ( الشحري ) مشرفا على رسالتي بموضوعها الجديد.ولعلاقات الصداقة الخاصة بين الأستاذين فقد أشار علي المشرف بعرض بعض المباحث على الملا حي للاستفادة من خبرته وثقافته , وقد فتحت هذه المشورة المجال لاستمرار التواصل بيننا . وواقع الأمر كانت الملاحظات والتصويبات التي دونها الأستاذ الملاحي أو التي قالها شفاهة بمثابة دروس حية نبهتني إلى أمور كثيرة تتعلق بالبحث التاريخي ومسالكه الوعرة . إن من أفضل ما تعلمته من أستاذي الملاحي (ولازلت أتعلم) …التواضع, الاستماع الجيد, الإخلاص في الرأي والنصيحة, الروح المرحة اللمحات الذكية, والكرم العلمي الواعي .وهذه الصفات والقيم لا يدخلها التكلف من قريب أو من بعيد بل نجدها جزء طبيعياً من سلوكه وشخصيته وبعد إحدى زياراتي للملاحي دونت انطباعاتي ومما جاء فيها… إنه ابن الشحر وابن المدينة الذي لا تمل مجالسته ولا تستطيع أن تفعل شيء حياله, إلا أن تحبه وتحترمه . لا تزال متنوعة إبداعات أستاذنا الملاحي من الأدب والعادات الاجتماعية والهجرة إلى الملاحة البحرية والتاريخ ,وتحتل الشحر وأهلها الحيز الأوسع في اهتماماته. ولعلنا لا نبالغ لو قلنا: إنه ذاكرة الشحر وحارس تاريخها .