مما لاريب فيه أن العالم العربي مقبل على مرحلة جديدة من التقسيم والتجزئة, ربما لا تشمل العالم العربي كله حاليا, لكنها ستشمل رقعة غير بسيطة في مقدمتها اليمن والعراق وليبيا وإلى حد ما سوريا. هذه الرؤية باتت واضحة لكل متابع للأحداث وخاصة بعد تكشف الاتفاقات والتفاهمات بين أمريكاوإيران, حيث تلعب أمريكا دور الداعم من الخلف الذي لا يظهر على مسرح الأحداث وهذا تكتيك جديد في سياستها, وتتولى إيران عبر أذرعها ومليشياتها مهمة التقسيم والتجزئة بقوة السلاح ودفع المليارات لشراء الذمم والولاءات. في ظل هذا الحراك التغييري في المنطقة تظل حضرموت أحد المعنيين بالأمر, وهل ستشملها هذه الموجة التقسيمية وتنفرد بنفسها في دولة وليدة جديدة في جنوب الجزيرة؟ أم أنها ستعود لمربع 67 والتبعية السياسية للجنوب العربي؟ الغريب في الأمر أن هناك إشارات خليجية يفهم منها تأييد مجلس التعاون الخليجي لخطة تقسيم اليمن, حيث طالب المجلس من الحوثيين الانسحاب من عمران فورا عقب سقوطها بيده والعودة إلى صعدة, ومعلوم أن صعدة حاليا بمثابة دولة داخل دولة, فهل هذا اعتراف ضمني من مجلس التعاون الخليجي بملكية الحوثي لصعدة وأحقيته بها, في الوقت الذي يدعو فيه إلى سيادة اليمن ووحدته كدولة مستقلة موحدة وهذا ما نصت عليه المبادرة الخليجية. وما يعنينا هو: هل الخليج يحبذ انفصال حضرموت عن الجميع –الشمال والجنوب-؟ وما هي الأبعاد الأمنية التي يوفرها قرار كهذا له. إن حضرموت اليوم باتت أرضا موبوءة بسبب تمركز القاعدة فيها, واتخاذها محطة الانطلاق في عملياتها, واستطاعت من خلالها أن تتغلغل إلى داخل الأراضي السعودية, وهذا لاشك أنه يجبر القرار السياسي الخليجي على التراجع أو إجراء تعديلات عليه أو عملية تأخير لحين ما تكون الأمور مواتية ومناسبة. إضافة إلى أن تغلل الحوثي وسقوط المدن أمامه في الشمال يشكل هاجسا مزعجا أيضا, حيث ميوله الإيرانية وذراعه التي لا تعبث بوحدة اليمن وحده فقط؛ بل ربما بوحدة كل دول الجزيرة, وهذا لا يتوافق مع السياسة الخليجية الحالية. فنحن إذن أمام مشهد يكتنفه كثير من الغموض مع تحذر شديد وكأننا نقف على أرض ملغومة معدة للانفجار في أي لحظة. ما هو الخيار الأصلح للخليجيين اليوم؟ وهل سكوتهم عن تمدد الحوثي وتوسعه داخل الأراضي اليمنية لا يشكل خطرا كبيرا عليهم؟ أم الوضع المعقد المزمن في اليمن يحول دون اتخاذ أي قرار من شأنه ردع الحوثيين وإيقاف مشروعهم الإيراني؟ في المقابل نجد أن خطاب الخليجيين الموجه ضد الحوثي والقاعدة, لا يتخذ نمطا معينا, فالخطاب الموجه للقاعدة يتسم بالحدة والشدة والرغبة الأكيدة في ملاحقتها وضربها بكل قوة وصرامة, بخلاف خطابهم الموجه إلى الحوثي, الذي يخلوا من هذه النبرة, وإلى هذه اللحظة والحوثي يمرح ويسرح بأسلحته الثقيلة والمتوسطة والخفيفة ولم تطله تهمة الإرهاب بعد, بينما نجدها -التهمة- سرعان ما طالت الإخوان في لمح البصر ولم يرتكبوا عشر معشار ما فعله الحوثي. هذه إحدى تخبطات القرار السياسي اليوم الذي يتخبط وهو يبحث عن المصلحة ويدور معها حيث دارت, ولهذا إلى أن تترشح حضرموت وتصبح ضمن دائرة اهتمام هذا القرار القائم على المصلحة وحدها دون غيرها لن تر حضرموت النور, وستظل الكرت الذي لم يحن دوره بعد وإبرازه. أمر آخر ذات صلة بالموضوع وهو أن جماعة الحوثي التي تتخذ من الشمال مركزا لها, وتنظيم القاعدة الذي يتمركز في الجنوب؛ لم نشهد أي تصادم حقيقي بينهما رغم الخلاف الإيدلوجي الكبير بينهما, وتصادم مشروعيهما ويشكلان خطي تقاطع لا يلتقيان أبدا, فالرافضة مذ كانت الرافضة وهي العدو اللدود للدولة الإسلامية, والدول الإسلامية على مدى تاريخها كانت في حرب مستمرة مع هذه النبتة الفارسية وملاحقة رموزها, فما الذي جعل السكون يخيم على الفريقين ويغض كل واحد طرفه عن الآخر, وهذا أيضا يستند إلى قرار سياسي وليس أيدلوجي؟ ولماذا نجد أن المناطق التي تتحرك فيها القاعدة تخلوا تماما من الحوثية والعكس صحيح أيضا؟ فهل هو من ثمرات الاتفاقات السرية التي أشار إليها بعض المتابعين بين القاعدة وإيران؟ أم أن الواقع فرض نفسه تلقائيا دون أي تدخلات؟ وهل في سياسة الحوثي التوسعية أي نوايا للوصول لمناطق نفوذ القاعدة في الجنوب والتصادم معها, والعكس صحيح أيضا بالنسبة للقاعدة؟ وهل التقاسم المناطقي بينهما بتخطيط ذاتي منفصل عن أي طرف ثالث؟ أم أنهما يسران في فلك اللعبة الخارجية ولكل واحد منهما دور هو مؤديه, حالهما حال الحكومات التي تسير وفق الخطة والاستراتيجية الأمريكية وأنها لا تستطيع أن تخالف القرار السياسي الأمريكي في المنطقة. في ظل هذا الجو الملبد بالغيوم, كل ما أستطيع أن أجزم به أن القرار الدولي يفضل أن تبقى معادلة الصراع العربي لا غالب فيها ولا مغلوب, وعدم السماح لأي طرف مهما كان حجمه بامتلاك أدوات القوة ليشكل خطرا على مصالحه. وأن الأدوات التي تنفذ هذا القرار قد تكون القاعدة أحدها, وأما الحوثية فيقين أنها تسبح في ذات الفلك, وما وجدت إلا لذات الغرض. وتبقى حضرموت كغيرها شاخص بصرها, فالقاعدة تتخذها مركزا, ولا أظن الحوثي يزهد فيها, ولازالت اللعبة مستمرة بين كل تلك الأدوات ولا ندري متى وكيف ستنتهي.