أرتبط العمران في حضرموت كجزء من حضارتها منذ القِدم في الاهتمام ببناء مساكنها ومساجدها بطابعها الطيني الذي عُرفت به منذ تاريخها العريق الذي تنفرد به في خصوصية انتشار معامل الطوب بالقوالب الخشبية المستطيلة التي لا يتعدى طولها 20-30سم تقريباً لتشييد البناء الذي يتميز عن العمران في المدن اليمنية الأخرى وتأثُر عدد من المحافظات الجنوبية الشرقية بهذا الطابع الهندسي العمراني كمحافظات: شبوة المجاورة ،والمهرة ، وأبين ،حتى لحج حيث انتقل إليها قديماً البناؤن الحضارم وتُعد مدينة شبام التاريخية في محافظة حضرموت التي شُيدت منازلها قبل أكثر من 600 عام تقريباً كأقدم ناطحات السحاب في العالم شاهدة على نموذج وأصالة تاريخ العمارة الطينية في حضرموت التي حافظ عليها أبناؤها قديماً وحديثاً ليس ذلك فحسب بل انتقلوا بتجاربهم الهندسية الإنشائية في مجال العمران إلى دول الجوار في الخليج العربي أيضاً إذ ساهم أبناء حضرموت في تشييد نهضتها العمرانية أثناء مراحل هجرتهم المتعاقبة خلال العقود الماضية كما أن حصن الغويزي التاريخي يشكل معلماً بارزاً كأحد القلاع الطينية التاريخية على المدخل الشمالي الشرقي لمدينة المكلا وموقعه الأثري الذي يرمز إلى قِدم الإنشاء لهذا الحصن على تبة جيرية متآكلة غير أن غزو قوالب الإسمنت الإنشائية الحديثة وانتشار معامل الطوب الأسمنتية لتشييد المبان السكنية الحديثة كمنافس لمعامل الطوب الطينية التقليدية على أن شرائح من الأسر الحضرمية استطاعت التكيف مع تحديث منازلهم الطينية القديمة وكذلك الحال المساجد التي شذّت عن قاعدة الطين أو الطوب المحروق إلى الإسمنت حيث توجد مساجد شهيرة في حضرموت عاصرت الأزمنة وكل عوامل الطبيعة كمنارة المحضار في مدينة تريم والمساجد الأخرى التي أُنشئت في هذه المدينة التي يبلغ عددها زهاء 365 مسجداً طينياً أي ما يعادل عدد أيام السنة أو يزيد عن ذلك ولم تزل شامخة حتى يومنا هذا نظراً لثبات البيئة العمرانية الطينية في مدينة تريم واستمراريتها حاضراً رغم تهديد السيول الموسمية بجرفها وتضرر عدد من منازلها كما حدث في العام 2007م وكذلك الحال الفن الهندسي في بناء قصر الثورة في سيئون الذي يُعد تحفة من تُحف الهندسة المعمارية الطينية على أن ظاهرة أتساع طوب الإسمنت البديل وانتشاره وخصوصاً في مناطق وادي حضرموت أو ما يعرف بحضرموت الداخل يشكل حالة من التضاد شذّت عن المألوف وتبعث على التساؤل : هل يصمد شموخ العمارة الطينية التقليدية التي ارتبطت بتاريخ حضارة حضرموت قديماً وحديثاً وتأقلم بها أجيالها وأُناسها منذ قرون أمام حداثة العمارة الإسمنتية .. أم هي أمزجة السكان في التغيير والتحديث والترويض المستقبلي لحسن الجيرة بين المبان الطينية والإسمنتية وأيهما يؤرخ له في الصمود لزمن قادم من بدء الإعمار؟