كآخذة بفمها صمتا ، خاوية إلا من شك وشيء يشبه الخيبة يراود عن خطاي صبري ،وكأن القدر لا يوجب علي إلا ما لا أستطيعه ! وبين الواجب والعجز أقف مستجمعة خيباتي وبعض شكي أمام ما يمكن أن نسميه نسقا ثقافيا قاتلا يمتد في أنساغ المجتمعات ، المتدينة منها خصوصا . ليكن المجتمع الإسلامي تمثيلا .. (البر=الطاعة ) إن البر بكسر الباء في معناه الأعم يأخذ أشكالا عديدة تختلف بين ما هو شعوري وقولي وفعلي . إلا أنه أي البر بكل صوره وأشكاله لم يأت بمعنى الطاعة أبدا لا في آية قرآنية ولا حديث تصح نسبته للرسول ولا قال بذلك لسان عربي مبين . البر ربما هو الحب ، الود ، الإحسان ، الرحمة ، العطف … إلخ إلا أن البر لا يمكن أن يكون الطاعة . ولكن قد يسأل السائل كيف لا يأتي البر بمعنى الطاعة ؟ وقد ربينا على أن بر الوالدين طاعتهما ومن البر طاعة الأمير والبر بالأستاذ طاعته وهذا الأمر أصبح معلوما من البر بالضرورة. قلت : إنما هنا يكمن الخطر. وهو ترسيخ نسق الطاعة والرضوخ في قاع الثقافة المجتمعية بحيث ينث سمومه القاتلة دون أن يظهر على السطح يقتل فينا كل خطوة إلى تغيير دون أن يراه أحد أو يسمعه أحد. لحاجة في نفس أحدهم أو ربما لحاجات لم يقضها تم حشد جمعا من الأدلة والاستشهادات التاريخية لتمرير هذا الطاعون الفتاك ( البر=الطاعة ) تحت طاولة البر ليصبح ليس مفهوما معرفيا أو شيئا من قبيل الترف الثقافي بل أصبح بأبعاده الدينية جزء لا يتجزأ من العقيدة . فها هو يتوالد طاعات وانصياعات (طاعة الأمير _ طاعة الوالدين _ طاعة الأستاذ _ وفي النهاية طاعة الحبيب ! ) كما ورد ذلك في البيت الشعري المنسوب للشافعي ( إن المحب لمن يحب مطيع ) أو الأثر ( من علمني حرفا صرت له عبدا ) (عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) وفي حديث آخر (وإن سلب مالك وإن جلد ظهرك ) وبيت الفرزدق في مدح زين العابدين (ما قال لا قط إلا فب تشهده ** لولا التشهد كانت لاؤه نعم ) وغيرها مما لا عد له ولا حصر. إن ترسيخ الطاعة في أعماق المسلم يعني ترسيخ معاني الركون والرضوخ والدعة ولكن حين تكثر على المرء الولاءات وتختلف عليه الطاعات يصيبه خبل وشلل في التفكير فخلل وظيفي في الإنسان عنده . فيما يشبه الختام يمكنني أن أقول : إنما جاء التصريح بالطاعة في القرآن لثلاثة فقط هم: الله الخالق والعالم . الرسول المبلغ عنه . أولي الأمر أصحاب الشورى والاختصاص . ولنا وقفة أخرى مع هؤلاء .. للحديث بقية **