السياسة السعودية تعيش عهد جديد بقيادة الملك سلمان بين الحكمة و ضبط النفس و طاولات الحوار السياسي إلى التصعيد العسكري وقلب موازين القوة في المنطقة،وذلك لأن النظام السعودي أحس بالخطر على أمنه القومي و مصالحة الأستراتيجية والحيوية في المنطقة، التي لطالما كانت السعودية تلعب دور الجوكر في التحكم بمجريات اللعبة السياسية، غير أنه لا يستطيع أحد الجزم بالنتائج الإيجابية لهذا التحول وبمن فيهم صنّاع القرار السعودي الذين نثق بوعيهم و إدراكهم للمخاطر المحيطة بالمنطقة. نستطيع الأن القول بأن ناقوس الحرب المباشرة بين السعودية و إيران قد دُق، فعلى مدى ثلاثة عقود كانت الحرب من وراء ستار، وهنا أخص بالذكر إيران صاحبة مشروع حلم إستعادة الإمبراطورية الفارسية و إيران صاحبة مشروع الدولة الشيعية التوسعية الحاضنة لكل شيعة العالم، أما إيران الدولة التي تسعى نحو تحقيق مصالحها من غير المس و العبث بمصالح دول الجوار، فيجب على الدول العربية تعزيزها و تقويتها حتى تتغلب على المشروعين الأخرين "الإنتحاريين للمنطقة"، من خلال التعامل معها بمبدأ المصالح المشتركة لدول الجوار. فمنذُ قيام الثورة الإيرانية أواخر السبعينيات بقيادة الخميني و إيران تحاول تصديرها إلى شعوب المنطقة العربية، وأكتفت السعودية بدعم نظام صدام حسين مما أدخل العراقوإيران معا في حرب استنزاف أنهكت الطرفين ونجحت السعودية في مبتغاها، ولكن سرعان ماعادت حليمة لعادتها القديمة أي الصراع داخل البيت العربي الواحد ودخل العراق في حرب إعتباطية عقيمة مع الخليج،إستعان فيها الخليج بحليفهالأمريكي"حليف البقاء مقابل النفط"، و سقطت العراقرويدا، رويدا. مما أدى إلى تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة،وكان التصريح الشهير للمسؤول الإيراني مستشار المرشد "علي ولايتي" الذي تبجح بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية وهي بغداد وبيروت ودمشق و صنعاء لم يعد مستفزاً، حتى تباهى أحد قادة الحرس الثوري وهو "علي يونسى" بتشكيل جيوش تابعة لثورته في دول عربية، حجمها يوازي عشرة أضعاف حجم حزب الله. كل ذلك ضعضع هيبة ودور النظام السعودي في المنطقة وخصوصاَ بعدالتقارب الأمريكي الإيراني حول الملف النووي الإيراني الذي وصل إلى مرحلةتفوق 50% من مراحل التفاوض حسبما أعلن البيت الأبيض و يقول فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية لندن للإقتصاد: (أوباما يعتقد أن التوصل لإتفاق نووي مع إيران قد يكون أكبر إنجازاته في السياسة الخارجية، والأمريكيون لا ينظرون إلى الصفقة مع إيران من حيث أثرها الإقليمي)، مما يشير إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد بدور إيراني محوري و مركزي يستلزم على الدول العربية أن تجابية و تعرف موقعها من الإعراب في ظل المتغيرات الجديدة. *** لم تكن الضربات العسكرية هي الخيار الأول والأمثل، ولكن لا ينتابنا شك بأن الحوثيين قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، فبعدما أسقطوا صنعاء و زحفوا زحف الفاتحين بإتجاه عدن من أجل السيطرة، وإخضاع كل المدن اليمنية تحت النفوذ الإيراني "الحليف الأستراتيجي للحوثيين" تحت فرضية الأمر الواقع بقوة السلاح،و بناءاً على الإمكانيات البشرية حيث يمثل الحوثيين مع كل مناصريهم ما لا يتجاوز 25 % من اليمنيين، وكذلك الإمكانيات المادية والعسكرية كان كفيلاً بأن يدخل اليمن في حرب أهلية قائمة على الطائفية و المناطقية. ونتيجة لهذة الهيمنة الحوثية الكاملة لليمن هو دق أخر مسمار في نعش الحوار الوطني اليمني وفقاً للمبادرة الخليجية، فلن ترضخ أبداً الميليشيات الحوثية للحوار بعد أن سيطرت على كل مقدرات اليمن العسكرية و المادية والإدارية، ولولا تدخل السعودية لأصبح الوضع أكثر تعقيدا. وعن الحرب قال المنظر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز أنها: (عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على و سائل مختلفة). نتمنى أن تكون الضربات العسكرية هي النافذة التي تمكّن كل الأطراف من الرجوع الى طاولة الحوار وأن لا تدخل اليمن والمنطقة في نفق طويل مظلم من الحروب، فالمشهد السوري واليبي والعراقي مازال يعرض على الشاشات و يستلزم التأمل وتوخي الحذر من تكرارهبحجة القضاء على ميليشيات ذات أجندة خارجية و طائفية.