تسعى المجتمعات المدنية الأكثر حضارة في أي مجتمع إلى رفض المظاهر العسكرية بأشكالها وأنواعها المختلفة ، وتأبى وترفض عسكرة المدن مهما كانت الأسباب والذرائع ، بما في ذلك تحويل المرافق الحكومية ومؤسسات المجتمع إلى ثكنات عسكرية أو معسكرات لايمكن الولوج إليها عبر البوابة العسكرية والحواجز العسكرية المعروفة وانتشار العسكر بشكل مرعب ، الأمر الذي أثار ومازال يثير في الشارع المدني أسئلة واستفسارات تبحث عن إجابات شافية ومقنعة من قبل أولئك المسؤولين والمدراء العموم الذين حولوا تلك الإدارات المدنية إلى ثكنات عسكرية تجعل تلك المرافق تفقد مدنيتها الحضارية ، كما أن انتشار تلك المظاهر العسكرية في تلك المرافق المدنية تسبب أيضا استفزازا للناس أكانوا من موظفين تلك المرافق أو من خارجها والذين مازالوا يتابعون حل قضاياهم في ظل تلك العسكرة والروتين الإداري المرفوض . ففي المحافظات الجنوبية التي كان يحكمها الحزب الاشتراكي كان حراس تلك المرافق وهي الأكثر ارتباطا بقضايا المواطنين حراسا مدنيين ، ومن كبار السن ، وليس بحوزتهم سلاحا للدفاع عن تلك المرافق ، وكانوا أيضا يتعاملون مع المواطنين بمنتهى الأخلاق والتواضع ، فيعاملهم الناس بالمثل ، كما أننا نجد أن بعض المرافق والإدارات الحكومية بدون حراسا . فما نشهده اليوم على أرض الواقع في معظم المرافق والمؤسسات الحكومية نشاهد بونا وفرقا شاسعا بين ماكنا عليه وما صرنا إليه فعسكرة تلك المرافق قد أصبح حقيقة ملموسة ليس بمقدور كائن من كان نكرانها أو تجاهلها ، والطامة الكبرى أن تجد أولئك العسكر يسرحون ويمرحون في كل مكان من أمكنة هذه المرافق ، وتجدهم في علاقة حب قوية مع محبوبتهم شجرة القات ، ولسان حالهم أمام مرأى ومسمع الكل يقول لك هات رشوة وهات استفزازا وبعبارات وأساليب يرفضها الحيوان فكيف سيقبلها الانسان ؟ ! فإذا كنا نرفض وجود هؤلاء العسكر في أهم المرافق الحكومية والمستشفيات والإسكان والعقار والكهرباء وإدارة السلطة المحلية فكيف سيكون قولنا قبولنا بتلك المظاهر المسلحة ذات الأساليب الاستفزازية لمشاعر المواطنين والموظفين في مواقع التربية والتعليم ؟ ! . فماه نشاهده من عسكرة للإدارة العامة لتربية وتعليم حضرموت ( الساحل ) والتي تبدأ من ثكنة البوابة الرئيسية والمدخل المباشر للولوج إلى هذه الإدارة ، ثم نشاهد انتشار هؤلاء العسكر في أماكن متعددة من مكاتب هذه الإدارة حتى إننا نجدهم عند حافظة الدوام ، وبعض الأماكن الأخرى ، كل تلك المظاهر العسكرية تفقد هذه الإدارة مدنيتها وحضارتها ، وتفرغها من مضمونها ومدلولها الحقيقي الذي سميت باسمه ، فتسميتها المعروفة تربية وتعليم وليست عسكرة وترهيب ، فعندما تحولت ثانوية بن شهاب بالمكلا إلى ثكنة عسكرية كتبت مقالة صحفية نشرتها صحيفة ( الحق ) بعنوان ( إنهم يحولون ثانوية ابن شهاب إلى ثكنة عسكرية ) نتيجة لما سببته تلك العسكرة من مشاكل كادت أن تزهق أرواح بعض طلاب الثانوية بعد إطلاق النار عليهم ، سيما أولئك الطلاب الذين يريدون الهروب من المدرسة والقفز عبر حائط أو جدار المدرسة تعامل معاهم هؤلاء العسكر بإطلاق النار عليهم مباشرة لمنعهم من الهروب من المدرسة ، كما أن عسكر بوابة الثانوية أيضا منعوا كل من أراد الدخول إلى الثانوية حتى ولو كان من معلميها وطلابها بعد أن قاموا بإغلاق البوابة أثناء الطابور الصباحي ليبقوا في الشارع أمام مرأى الناس ، وذلك من خلال التصرف اللامسؤول لمدير الثانوية بإبقاء كل من تأخر عن الطابور في الشارع أكانوا معلمين أو طلاب ، وما على العسكر إلا التنفيذ . كما أننا في الوقت نفسه نجد أن هناك مدارس أساسية وثانوية تحول مدراؤها إلى قيادات عسكرية وأصبحت مدارسهم ثكنات عسكرية ، وتعامل هؤلاء المدراء العسكر مع معلمين تلك المدارس عسكريا وبأسلوب المثل الشعبي المعروف ( إشربي وإلا نحرتش ) فأصبح كل من يعارضهم لمصلحة التعليم والمدرسة يكون عرضة لأوامرهم العسكرية بإبعادهم عن المدرسة عبر النقلة المدرسية ، ورفضهم القبول بأولئك المعلمين حتى ولو كانوا من أفضل وأنشط المعلمين ، لتأتي إدارة التربية والتعليم بالمكلا لتنفذ رغباتهم العسكرية المرفوضة تربويا وتعليميا عند أبناء المجتمع ، ويعتقد هؤلاء المدراء وهما بأن تلك المدارس ملكا من أملاكهم الخاصة فيحق لهم التصرف بمن فيها حتى ولو كان ذلك التصرف يتعارض مع المصلحة العامة ، فاستخدام ورقة النقلة المدرسية لهؤلاء المدراء ورفضهم بشدة قبول هؤلاء المعلمين في تلك المدارس وهم من أفضل وأنشط المعلمين يؤكد ذلك الرفض المتشدد والعصبي لهؤلاء المدراء عسكرتهم لتلك المدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وما على قيادات التربية والتعليم بالمديريات والمحافظة إلا السمع والطاعة لتلك الأوامر العسكرية فهؤلاء المدراء قد تحولوا إلى فراعنة زمانهم ولسان حالهم يقول للجميع كما قال فرعون لقومه : ( ما أريكم إلا ما أرى ) حتى ولو كان ما يرونه معارضا لمصلحة التعليم . فكل مظهر من مظاهر عسكرة إدارات التربية والتعليم بالمديريات أو حتى في مدارسنا يحول تلك المواقع التربوية والتعليمية إلى ثكنات عسكرية وكل حواجز او موانع أو جدار عازل نشاهده في تلك المواقع يؤدي إلى عدم الإسراع في حل قضايا التربية والتعليم ، ومايعانيه المعلمون من مشاكل النقلة التي تحولت هي الأخرى إلى عسكرة وتجنيد . ومع رفضنا الشديد لكل مظاهر عسكرة أينما وجدت مواقعها وأهميتها وتغيرت صورها وأشكالها ومن هي شخصياتها وقياداتها أكانت سلطوية أو حزبية نطالب بشدة بإبعاد تلك المظاهر العسكرية عن أجواء التربية والتعليم لأن التربية والتعليم ترفض رفضا قاطعا التعامل مع تلك المظاهر العسكرية بمختلف صورها وأنماطها العسكرية لأن مدلولها تربية وتعليم وليست عسكرة وترهيب . وبكل صراحة أقولها أن الأستاذ / جمال سالم عبدون المدير العام لمكتب وزارة التربية والتعليم بحضرموت الساحل قد نجح في إدارة هذه الإدارة تربويا وفشل في إدارتها عسكريا وفرعونيا ، وهذه حقيقة لا تقبل جدالا وليست بمقدور كائن من كان نكرانها أو دحضها فالأخ المدير العام لم يستخدم الأسلوب العسكري والفرعوني الذي استخدمه المدراء السابقون سيما أصحاب ( الدال ) ولم يخلق رعبا في أوساط التربويين والتعليميين والموظفين ، وكان بمقدوره أن يجعل نفسه ومن خلال استغلال منصبه أن يكون فرعون التربية والتعليم بالمحافظة فيجعل من الحبة قبة كما فعل سلفه في تعاملهم مع البنطال وتوقيف الغير ملتزمين بلبسه عن المدارس علما أن ذلك التصرف يتعارض قانونيا ، أو إهانة البعض من المعلمين أو توظيف بعض الأشخاص مدراء على المدارس رغم سمعتهم السيئة وعدم جود مؤهلات تؤهلهم لاحتلال تلك المواقع . أخيرا نطالب بإبعاد شبح العسكرة عن التربية وبكل صورها وأشكالها وأساليبها المختلفة مهما كانت الأسباب والدوافع والذرائع ، وأن يظل المسؤولون على المواقع التربوية والتعليمية بالمدارس ورياض الأطفال والمديريات والمحافظة يحافظون على أخلاقهم وسمعتهم في تعاملهم مع الآخرين ، فالكراسي دوّاره وليس بمقدور كائن من كان إيقاف دورانها لمصالحه ، والحكمة تقول : لو دامت لغيرك ما وصلت إليك ، وأن غدا لناظره قريب ، فهل أنتم فاعلون ؟ ! .