لا حديث للعرب اليوم سوى الرياضة وتحديدا كاس العالم لكرة القدم المقامة في جنوب افريقيا , اليوم تتوارى السياسة وتختفي لأيام , مفسحة المجال أمام كرة القدم معشوقة الملايين هذه اللعبة التي أسرت الألباب وخطفت القلوب وجعلت الغير رياضيين من مشاهديها ومتابعيها , مساء اليوم يتجه العالم العربي بأسره نحو القارة السمراء وتحديدا جنوب افريقيا بلد المناضل نيلسون مانديلا الذي وحد بلاده وقضى على العنصرية فيها ,مدينة دوربان تحتضن ممثل العرب الوحيد في هذا العرس الرياضي العالمي , حيث ستلعب الجزائر أمام سلوفينيا اليوم الأحد 13/6 2010م أولى مبارياتها, ويحذوا العرب الأمل في ان يقدم سفيرهم أداء كبيرا يقترب مما قدموا في عام 1982 في اسبانيا عندما كان الجزائريون قاب قوسين أو ادني من بلوغ الدور الثاني , غير ان المؤامرة بين المانيا والنمسا هي التي أطاحت بحلم العرب في ذلك الوقت . معظم شرائح المجتمع العربي من ساسة وأساتذة جامعات وموظفين وفلاحين وطلاب يتحدون اليوم على كلمة سواء ( كلنا جزائريون ) لا فرق في ذلك حتى بين الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة , فتباين الرؤى بين تلك الطبقات يذوب وهم يلتفون حول ممثل العرب الوحيد في كاس العالم . هذا التوحد العربي الرسمي والشعبي قد لا يكون موجودا في كثير من قضايا الأمة حتى المصيرية منها , إلا انه يظهر عندما تطل علينا كرة القدم بسحرها الرهيب الذي لا يقدر ان يقاومه الكثيرون حتى ممن ليسوا من المتابعين لها طوال العام , وهنا يظهر التمني الذي يفرض نفسه , لما لا تنتقل عدوى التوحد العربي الكروي الى بقية شؤوننا الأخرى , بمعنى أدق لماذا لا نتوحد في قضايا أهم بكثير من كرة القدم , والتي لا نقلل من شأنها ولكنها مقارنة بالهم العربي هي ليست بتلك الأهمية . حتى الغلاء لا نسمع عنه شيء , كيف لا والمشاهد العربي يقتطع من راتبه بل ويستدين ما يفوقه من اجل شراء كروت التشفير والتي بدونها لا يمكنه من مشاهدة المباريات , وهنا تكون المفارقة العجيبة , فالصارخون من حكوماتهم بسبب الغلاء يأخذون استراحة محارب مدتها ثلاثون يوما , يخلدون فيها الى كرة القدم , ولعل السؤال المهم هنا ماذا تصنع هذه المصنوعة من الجلد بهم حتى ينسى العربي آلامه لعدة أيام ؟ الغزاويون كغيرهم من أبناء جلدتهم العرب اتجهوا أيضا نحو الشاشات المنصوبة في الملاعب والأندية حتى قال احد الغزاويين نحن اليوم مع الجزائر فهم يناصروننا في صمودنا ونحن نشجعهم في لعبهم , كذلك هو الحال بالعراقيين فتشكيل الحكومة وان كان امرأ مهما وتسيد المشهد السياسي لأسابيع أضحى في هذه الأيام موضوعا ثانويا , فما يهمهم الان هو كيف يشاهدون المونديال العالمي وان كانوا غير مشاركين فيه , إلا ان المشاهدة هي متعة بحد ذاتها , والصوماليون ورغم ان الحرب تمزقهم إلا ان البعض فيهم يسارع لاقتناء كروت المشاهدة وان غلى ثمنها , فهم ينتمون الى القارة السمراء التي تحتضن هذا الحدث العالمي الذي توافد إليه رؤساء الدول ناهيك عن الآلاف من شعوبهم . الجزائريون تناسوا خلافاتهم وضمدوا جروح الماضي والتفوا جميعا حول منتخب بلادهم في مشهد افتقده الجزائريون منذ العشرية السوداء التي خرجوا منها أكثر ترابطا وإصرارا على تعويض ما فاتهم , نعم فكرة القدم استطاعت ان تحقق في الجزائر ما عجز عنه السياسيون في السنوات العجاف , وأنت تسير في شوارع العاصمة الجزائرية ستعرف جيدا كيف ان كرة القدم وحدت الجميع حول العلم الوطني لبلادهم , فهو يرفرف فوق أسطح البنايات ويضلل الشوارع ويكسي الجدران ويرتديه الصغير قبل الكبير والمرأة قبل الرجل والمعارضة قبل السلطة والمهاجرين قبل المقيمين , حتى ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقه جعل من أهدافه في الانتخابات الرئاسية صعود بلاده لنهائيات كاس العالم وهو ما تحقق , أليست كرة القدم من فعلت كل هذا ؟؟ لماذا لا نسقط حبنا لكرة القدم على بقية شؤوننا , ولو أنا فعلنا ذلك لتجدينا الكثير من المعوقات ولتناسينا الخلافات ولتقبلنا الاختلاف في الأفكار والتباين في المواقف , إننا نحتاج الى ان تسكن روح كرة القدم في جسد كل عربي وان تظل فيه مدة أطول من عمر المونديال , فربما صلح أمرنا وتبدلت أحوالنا الى الأفضل , دعونا نطيل عمر كاس العالم فبدلَّ ان يكون ثلاثون يوما , لنجعله العام كله ولنرى الفرق بعد ذلك . كل التوفيق لأبناء الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد , فقلوب العرب معكم , وهم يدعون لكم بالنصر , لأنه ان تحقق فهو نصر للعرب وان كان في كرة القدم , فالعرب متحاجون إليه وان كان في إطار لعبة تتقاذفها الأرجل ولكن تحيط بها قلوب الملايين في العالم . باحث بجامعة الجزائر