بالرغم من التقدم المذهل الذي احرزته البشرية في مختلف المجالات وبالرغم من التحسن الكبير في مستوى المعيشة الذي طرأ على كثير من الملايين في انحاء العالم،إلا ان الفقر ما زال يمثل مشكلة كبيرة تؤرق شريحة كبيرة من البشر ،فالفقر ليس وليد اللحظة،وانما هو مشكلة ابدية لا يخلو زمان او مكان منه حتى في زمن خير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يعيش بجوار المسجد "اهل الصفة" وقد كان من الصحابة من كان يموت من شدة الجوع لكنهم عاشوا تلك الحالة متساوين في الباساء والضراء،الشدة والرخاء-الشبع والجوع-فكيف بنا ونحن نعيش في زمن ليس فيه انبياء ويكاد ان يذهب الاوليا،فاصبح الفقر فينا زعيما ورئيسا وسيدا وعظيماً على الرغم انه كان بالامس متطفلاً ودنيئاً،اما اليوم فيمتلك من العبيد الملايين..يمتلك المساحات الشاسعة..وكما قال احد رؤساء جنوب افريقيا العالم اليوم اصبح جزيرة من الاغنياء يحيط بها بحار من الفقراء". لكننا في عصر مغاير جداً،عصر قلة فيه الشفقة ونزعت منه الرحمة،وعصر تزاحم البنوك بالاغنياء،وتزاحم البيوت والشوارع بالفقراء فاصبح الرحيم ينام وجاره الى جانبه جائع يشكو من الجوع والمرض واللهبه عليم..فلو لامس الايمان شغاف القلوب وسادة فيهم روح المحبة والرحمة وعملوا بالمبدأ الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له". فهل يبقى بعد ذلك جائع او فقير. ان الفقر شرٌ انساني يحرم الشخص من احدى حقوقه الاساسية وهي الكفاية في العيش ،وشرٌ اجتماعي يعوق المجتمع من التقدم المادي والمعنوي،فالمجتمع الامثل هو المجتمع الذي تنخفض نسبة الفقر فيه،الى جانب ذلك فالفقر يؤدي الى التمرد والاجرام،فأنت قد يصعب عليك ان تطلب من جائع لا يجد قوت يومه ان يصير رجلاً فاضلاً بعيداً عن السرقة والاجرام لان الحرمان هو الذي دفعه الى ذلك إلاّ من تعفف بعفاف الاسلام وصان نفسه عن الحرام وقد اوجد الاسلام حلاً وعلاجاً لهذه المشكلة ويتمثل في عنصرين اثنين اولاً العلاج الشرعي الايماني وذلك بالاقبال لما للفقير الصابر من الاجر عند الله وربما كان فقره خيراً له في الدنيا والآخرة يمنعه عن المحرمات ويحجبه عن الشهوات فقد صار كثير من الفقراء في الاسلام يفرحون بالفقر ويعدّونه هدية وعطية يحمدون الله عليها،لأن الايمان ملء قلوبهم غنى وقناعة واحتساب،فصاروا يرون الغنى حملاً كبيراً اراحهم الله منه. ثانياً عالج الاسلام مشكلة الفقر بان فرض للفقراء في اموال الاغنياء نصيباً معلوماً وهي الزكاة المفروضة والتي تعد ركنا من اركان الاسلام يدفعها الغني بلا منه،ويأخذها الفقير بلا ذلة،وزاد الاسلام عملاً آخر للفقير القوي المكتسب بان دعاه في العمل والحركة في الكسب وطلب الرزق من كل طريق مباح،فقال عليه الصلاة والسلام "لأن ياخذ احدكم حبل فيحتطب ويبيع خيرٌ له من ان يسال الناس اعطوه او منعوه" والمتأمل في حالة الانبياء عليهم السلام الذين بادروا الى العمل فقد كان داوود عليه السلام حداداً وزكريا نجاراً وادريس خياطاً وعمل موسى في رعي الغنم،بل ان كل الانبياء رعوا الغنم بما فيهم سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. لذا فالزكاة هي الحل عندما تؤخذ من الاغنياء وتعطى للفقراء كلاً على حسب حالته وحاجته فلا يبقى فقيراً ولا عاجزاً ولا محتاجاً إلا وله حق معلوم في ذلك. لكننا نحتاج الى صدق وأمانة وتوزيع عادل وبالسوية وقد قيل في الفقير والغني يمشي الفقيروكل شيء ضده والناس تغلق دونه ابوابها وتراه مبعوضا وليس بمذنب ويرى العداوة لا يرى اسبابها حتى الكلاب اذا رأته مقبلا خضعت إليه وحركت انيابها
وأخيراً اختتم بقول لقمان الحكيم لابنه "يا بني اكلت الحنظل وذقت الصبر فلم ار شيئاً امر من الفقر فاذا افتقرت فلا تحدث به الناس كي لا ينقصونك..ولكن اسال الله من فضله..فمن ذا الذي سأل الله ولم يعطه من فضله؟،او دعاه ولم يجبه؟