بقلم محمد البعوم : تاريخياً تُعتبر اليمن مركزاً للحضارات ورائدة الحركة المدنية وقبلةً للشرق من حيث الإهتمام بالبناء والإتجاه نحو التطوّر والنماء لأن شعب اليمن دائماً يتوق للتطلّع والعمل والإنتاج . ولكن عندما نحاول أن نقترب من الزمن نجد اليمن قد مرّ بالكثير من الإرهاصات والحروب والمشاكل التي شكّلت عائق كبير في تنفيذ المشروع الوطني المدني . فمن الصعب جدا أن يتّم إستحضار كل الأحداث التاريخية التي مرّت بها اليمن كون المجال لا يتسع هُنا ولكن لعل الدولة البراجماتية التي كانت ظاهرة في أبهى صورها وتجلّياتها هي تلك التي أُختزلت في عهد الرئيس الشهيد الحمدي والتي فعلاً تجسّدت كصورة كاملة في المسار المدني المُتجه نحو إستثمار الإنسان والتركيز على التطور والتغيير والإنتقال من الجمود و كُل ذلك على حساب رومانسية الإيديولجيا والقوى التقليدية التي لا زالت نمطية التفكير. الدولة المدنية هي التي تحمي كل أعضاء المجتمع وتحافظ على هويتهم دون النظر للمعتقد والفكر والإنتماء , دولة قائمة على التسامح والسلام وتُحقق مبدأ القبول بالآخر وإحتضان جميع الأفراد في بوتقة الوطن بغض النظر عن توجهم .الدولة المدنية هي دولة المُقاربة لا المقارنة , و المدنية هي التمدّن والتحضّر وفرض القوانين على الجميع بدون أن يتعرّض أي أحد لإنتهاك أي حقاً من حقوقه , دولة تُمارس السلطة بدون أي تحيّز لأي طرف . الدولة المدنية هي دولة الحقوق والمساواة والمواطنة العادلة , وليس نظام داخل نظام أو إستنساخ دولة مُصغّرة للدولة .الدولة المدنية هي دولة مؤسساتية تدعّم مبدأ الا مركزية تنتمي للوطن بكل أحزابه وأطيافه وطوائفه وتُشجع الفكر والعلم والمعرفة . خيار الدولة المدنية هو خيارٌ بين الحداثة والعودة إلى الماضي , خيارٌ بين التقدّم والتراجع , خيارٌ بين البناء والهدم . الدولة المدنية لا تلغي الدين أو ترفضه أو تُعاديه كما يروّج البعض , بل هي دولة تدعوا لأن يكون مُعظماً مُقدّساً لا يتّخذه السياسيون مطيةً للحصول إلى مآربهم السياسية وتحمي الدين من أن يكون قضية جدلية خلافية مُعرّضة للتنظير والتفسير الأمر الذي يقود إلى إبعاده عن عالم القداسة والإجلال والإحترام كما أنّ الدولة المدنية تنظر إليه على أنّه مُعتقد من حق الجميع ممارسة مُعتقداتهم حيثُ ترى بأنّهُ عامل مُهم في بناء الأخلاق , وعلاج للتأزم والفراغ الوحي .