يقف المجنون قوياً في حين يعجز الأقوياء عن مواجهته خوفاً من ردَّة فعله التي قد تكون عنيفة ونتائجها موت أو عاهة مستديمة , إخوانه بالمثل حين يواجهونه ليس أمامهم إلا العصي والهراوات والقيود , وحتى أبوه قد يخافه ويخشاه , يعلن الكل عجزهم عن مقاومته ومقارعته ما لم يكن مقيَّداً ومع القيد هيبة , على خلاف الجميع تأتيه بلا عصيٍّ ولا هراوات , لا تصرخ ولا تهدد ولا تزمجر , يستسلم لها ويذل بين يديها حتى لو مدَّت يدها عليه وكأنه حمل وديع .. إنها أمُّه .. مجنون يعرف قيمة أمه !! الحيوان أيضاً بالمثل يعرف حقَّ أمه , يستسلم لتعنيفها ويصرخ من تأديبها , يعلم أنها أمه وفطرته تجعله عاجزاً عن أذاها , تلك هي الفِطَر السليمة على خلاف الأسوياء , العقلاء , الذين يدينون بدين الحقوق الكاملة ويعلمون الأمر الإلهي " فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " , لا يفهم ولا يستوعب , ربما لن يفهم أبداً , بشر كالبغل لا يعرف من حقيقة أمه سوى أنها أمه فقط , كثيرون من الأبناء لا يعرفون قدسية الأم ومكانتها , وماذا تعني ؟ وأن العقوق كبيرة تُدخله النار إذ الجنة تحت قدميها . أَحِنُّ إِلَى الكَأْسِ التِي شَرِبَتْ بِهَا ** وأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا أُمَّاه : بين يديك كبرت , وفي دفء قلبك احتميت , وبين ضلوعك اختبأت , ومن عطائك ارتويت فمن أنا لأفي بحقك ؟ مداد القلب لن يكفي إذا ما كتبت لإرضائك , وخفق الروح لن يُجزي , عبيراً فاح بعطائك أمي الغالية : ما أجمل من قال : لو أن حياتي بستاناً , لزرعتك أجمل أزهاري . لو أن حياتي خارطة , سأسجِّل قلبك عنواني . لو أن حياتي قيثارة , لعزفتك أجمل ألحاني . لو أن العالم أنشودة , نسمعها صوت الأطيار . سأغنيها وأُرددِّها , لتصل كل الأركان . لو أن الكون متاهاتٍ , إحساسك يعرف أسراري . لو أن العمر يُلَفُّ ويُهدى , أهديتك روحي وكياني . لو أني أملك أكبر قلب , يتسع جميع الأكوان . لسقيته حبك وسط البرد , لينعم بالدفء الحاني . لا أملك إلا كوني ابناً لك , وقلبك نبعٌ لحناني . قالوا عنك : هناك من كتب عبارات , كلمات خالدة من أجمل ما قيل في وصف حقيقة هذا الكائن العظيم أخذت منها الأم هي : مصدر الحنان والرعاية والعطاء بلا حدود . الجندي المجهول الذي يسهر الليالي ، ليرعي ضعفنا ويطبب علتنا . الإيثار والعطاء والحب الحقيقي الذي يمنح بلا مقابل , ويعطي بلا حدود أو مِنَّة . المرشد إلى طريق الإيمان والهدوء النفسي . المصدر الذي يحتوينا ليزرع فينا بذور الأمن والطمأنينة . البلسم الشافي لجروحنا والمخفف لآلامنا . إشراقة النور في حياتنا . نبع الحنان المتدفق بل هي الحنان ذاته يتجسد في صورة إنسان . شمس الحياة التي تضيء ظلام أيامنا وتدفئ برودة مشاعرنا . الرحمة المهداة من الله تعالى . المعرفة التي تعرفنا أن السعادة الحقيقية في حب الله . صمام الأمان . والخلاصة : مهما قيل , مهما كُتِبَ , مهما كانت بلاغة القصائد وروعة الشعر وفلسفة الكلام فلا يمكن أن تفي بحقك أمي فاعذريني على التقصير بوركتِ وبورك عمرك . لأمك حقٌ لو علمت كبير ** كثيرك يا هذا لديه يسير