مرة أخرى يبرهن الرئيس علي عبدالله صالح انه رجل الحكمة الأول ورجل المواقف الصعبة بحسه الوطني العالي وحرصه الدائم على حل كل اشكالياته عن طريق أسمى المبادئ الحضارية والإنسانية والمتمثلة بالحوار والعمل الشوروي المشترك في تجاوز كل المعوقات لما فيه الصالح العام للبلد , كما انه يؤكد أكثر من مرة ان وطنه وشعبه وأمنهما وتطورهما هي ثقافة وطنية تشبع بها منذ نعومة أظافره كما انها ثوابت مقدسة ترتقي بالنسبة إليه إلى منزلة الدين والملة وان التراجع عنها او خيانتها بنظرة كفر بواح . توقع الكثير من النقاد والمحللون السياسيون ان حادث النهدين الإجرامي الحقير الذي استهدف شخصه وعددا من أعضاء الحكومة والسلك الدبلوماسي والعسكري في البلد ربما يقود الرجل الى اتخاذ موقف شخصي ضد الأطراف التي تقف وراء الحادث كما يعتمل به دائما لدى الحكام سوى عربيا او عالميا , لكن الرجل كعادته قلب كل التوقعات في سابقة هي الأولى في التاريخ السياسي للمنطقة العربية برمتها وظهر من أول حديث بعد شفاءه لا يحمل في همه عدا الوطن والمواطن اليمني وكيفية التباحث مع كل الأطراف للخروج بالبلد من مأزقه ومتنازلا عن حقه الشخصي كرسالة سامية جدا تفرض على الآخرين تعلمها والاستفادة منها في كيفية ان يكون الوطن فوق كل الاعتبارات والمصالح الشخصية وعند حسن ثقة الجماهير التي منحته زمام المبادرة . ركز رئيس الجمهورية في خطابه الأخير للحشود الغفيرة في مؤتمر القبائل وبشكل مباشر على ضرورة العودة إلى الحوار والالتزام بالمبادئ الثوابت الوطنية الراسخة التي ناضل من اجلها شعبنا اليمني العظيم منذ أكثر من ستين عاما وقدم في سبيلها الكثير من الدماء الزكية والتضحيات الجسيمة وذلك من خلال النهج الديمقراطي السلمي في نقل السلطة عبر صناديق الاقتراع كخيار قانوني ودستوري فرضه الشعب واختاره لنفسه وامن به كسلوك حضاري يضمن له احترام قناعته في اختيار من يحكمه بعيدا عن الانقلابات والمؤامرات التي عانى منها كثيرا . كما ان إعلان فخامته بشكل صريح وواضح تنحيه عن السلطة بحسب النظام والقانون تعبر عن احترامه التام لنظام بلده وشعبه وتبرز مدى ترفعه وزهده عن السلطة كمغنم شخصي وليس واجبا وطنيا كما يروج له المرجفون ضعفاء النفوس عديمي الأخلاق والضمير كما ان ذلك جاء ليكشف للمجتمع اليمني والدولي مدى تزييف الأطراف المعارضة والمتصارعة على السلطة للحقائق ورفضهم التام لأي مبادرات من شانها تجنيب اليمن وأهله كوارث كبيرة محدقة به , وفضح مساعيهم التآمرية البائدة في إعادة عجلة التاريخ الى الوراء والزج باليمن في أتون صراعات طائفية ومناطقية تستهدف بدرجة رئيسية وحدته ونسيجه الاجتماعي من اجل مصالح شخصية ضيقة وعقيمة ولفئة حقيرة وبصورة أشبه بالعقاب الجماعي لليمنيين نتيجة رفضهم المشاريع الصغيرة وتمسكهم الكامل بالشرعية الدستورية وبالحوار والانتخابات كمخرج وحيد لحل قضاياهم وتسيير شؤون حياتهم . لقد استطاع فخامة رئيس الجمهورية ان ينتصر لنهجه السلمي والديمقراطي في ادراة شؤون بلاده وان يؤسس لثقافة جديدة انفرد بها دون سواه في كيفية التعامل مع الأزمات والأزمات المفتعلة بعيدا عن العنف والقوة التي تنتهجها الكثير من الأنظمة في الوقت الراهن , وما التفاف اليمنيين حوله في السراء والضراء وفي أي زمان ومكان إلا خير دليل على ذلك .