في عصر يوم غير كل الأيام، كان ممطراً، وكأنه عصر تجلت فيه ساعات الصباح تغرد فيه الطيور بأعذب ألحانها وأروع معانيها المخفية نظرتَ عينيّ إلى السماء وظلت تحلق فيها وتلف بصرها في أرجائها ،حينها شعرت وكأنني في السماء ، أهطل مع قطرات المطر الباردة بعد أن سقطت إلى الأرض وهي خالية من جميع الشوائب. نزلت دون أن أرتطم على الأرض ومن عليها ، نزلتُ إلى سطح الأرض قطرة أمل ، أحييت من عليها من أموات الحياة اليائسين ، نحت قلمي عباراتي بأجمل ألوان السماء الزاهية ،بلون أشعة الشمس المتوهجة ولون السماء الزرقاء الصافية ، وألوان الغيوم التي تأتي على استحياء لتعلن عن نزول قطرات الأمل وانتشار خيوط الشمس بعد توقف الأمطار وتعلم بمجيء القمر، رسمت البسمة على شفتاي وسمعت صدى صوت فرحتي التي تنادي قائلة ها قد أتيت مبعوثة من أرض السعادة البيضاء التي بعثتني إليكِ دون سواكِ ، وها قد اشتقتِ إليها فاستجابت وأطلقتِ الأمنيات كي تبتسمي فارتسمت على شفتيكِ. ذلك كان سماء يومٍ ممطر شعرت كأنني مولودة جديدة ، تناغي الأحلام وتداعب الأيام وتشدو مع الأنغام وتلعب مع السعادة منفردة بانسجام ، هكذا ستظل موج العروبة شمس الصباح ، وبلسم الجراح ، وأمل المستقبل الذي لا يزاح ... في هذا اليوم أتت لحظة أمل .. ======= = قسوة بلا حدود انتصار السري
يدق الباب .. بسمة أمل ترتسم على ثغره .. أملاً أن يطل من خلفه وجه ولده جلال .. يدخل سائق جلال ..تتحول بسمته إلى حزن .. يقول السائق : طاب صباحك سيدي ..لقد أحضرت لك نقود هذا الشهر , هل تريد شيئاً آخر ؟ بعدم اكتراث لتلك النقود يقول له : شكراً يا بني .. لكني لا أريد مالاً.. يوجد الكثير منها في درج "الدولاب " , إنما أريد رؤية ابني الوحيد!! انه كثير الانشغال بعمله الجديد.. اعذره..هل تريد أن أبلغه شيئاً قبل ذهابي؟ أخبره أني أريد رؤيته. حسناً. يخرج السائق.. ليتركه وحيداً في زاوية الغرفة..الشوق لرؤية جلال يعصر قلبه .. يحاول شغل نفسه بلعب الورق و أحياناً مطالعة بعض الصحف و المجلات و قد يشغل وقته بقراءة الكتب . بعد عدة أيام يذهب جلال لزيارة والده .. يفرح والده الشيخ .. يضمه بشوق إلى صدره .. جلال يزيح والده من على بدلته الغالية .. ينفض عنها التراب يقول والد جلال : آهٌ يا ولدي كم اشتقت لك.. دعني أمتع عيني برؤيتك .. فأنا محتاج إليك في أيامي الأخيرة و... ماذا إلا تكفيك النقود التي أبعثها لك ؟ سوف أزيدها من الشهر القادم . كلا , لا أريد مالاً .. أريد أن أكون بجوارك ..ألعب مع أحفادي .. أعتني بالحديقة .. أشذب أغصانها .. سوف أبقى في الغرفة التي في الحديقة .. لن أدخل إلى المنزل .. لن تشاهدني زوجتك .. لن أسبب المتاعب لأحد فقط أكون إلى جوارك. -هل بعثت ورائي لتقول لي هذا الكلام .. كم تحدثنا في هذا الموضوع .. إنهُ مفروغ منه .. فأنا وقتي ثمين , و لا وقت لديّ كي أضيعه في النقاش حول هذا الموضوع , الآن سوف أغادر.. لتكن هذه آخر مرة تشاهدني فيها. - ماذا قلت !! آخر مرة أشاهدك فيها !! ألن تأتي لزيارتي أبداً؟ ينكس نظره إلى الأرض , و يقول: - نعم ,الوداع يا أبي. يلبس نظارته الشمسية التي تغطي نصف وجهه .. يخرج من عنده .. يسقط والد جلال على حافة الفراش .. يحلق بنظره عبر نافذة غرفته .. يتابع ظل جلال حتى اختفائه خلف الباب الكبير .. يقلب ألبوم الصور .. الذي احتوى ذكريات نشأة جلال ..الألم يعتصر فؤاده .. يضرب عن الطعام .. النوم يجافي عينيه . بعد ثلاثة أيام تتصل دار المسنين بجلال , يقولون له : تعال يا سيد جلال .. لتستلم جثة والدك . 30/7/2009م