الاضطراب يسيطر على الأسواق المالية. بعد اليونان تتعرض البرتغال حاليا لضغوطات شديدة. قيمة هذا البلد في سوق القروض المالية عُدلت إلى مستويات دنيا. ومع توسع أزمة اليورو في البلدان الأوربية الجنوبية، تتزايد الشكوك. هل كان اعتماد سياسة اليورو سياسة حكيمة؟ وماذا يمكن أن يقع إذا ما انسحبت هولندا من منطقة اليورو؟ في ما يلي سيناريوهات لما يمكن أن يقع. "تخلي هولندا عن اليورو يعني انهيار الصادرات"، هذا ما قد يصلح عنوانا بارزا في صحيفة. ربما يكون هذا السيناريو غير واقعي، وغير جذاب أيضا، خاصة بالنسبة للبلدان الصغيرة مثل هولندا وبلجيكا، بحسب ما يحذر بول دي خراو (Paul de Grauwe)، الخبير البلجيكي في مجال الاقتصاد.
رسميا لا تخول اتفاقية اعتماد اليورو لأية دولة إمكانية ترك العملة الأوربية الموحدة بشكل منفرد. ولكن بطبيعة الحال، يمكن تغيير أية معاهدة إذا دعت الضرورة لذلك. وعندما يُشرع في متاهات الإجراءات القانونية، تبدأ عندئذ المشاكل والمتاعب الحقيقية، يقول دي خراو.
ركود عميق "يسود انطباع قوي الآن بأن عددا من بلدان اليورو ليست في المستوى المطلوب. وهذه الدول تقع في جنوب أوروبا وليس في شمالها. إذن يمكن افتراض هذا السيناريو الذي يدفع عددا من البلدان في شمال أوربا إلى اتخاذ خطوة التخلي عن اليورو. ويمكن التوقع أن العملات الوطنية لهذه البلدان سوف ترتفع قيمتها بدرجة كبيرة. وبطبيعة الحال من شأن ذلك أن يسبب لهذه البلدان حالة من الركود الاقتصادي العميق".
يقصد الخبير الاقتصادي البلجيكي أن صادرات تلك البلدان ستنهار، لأن عملاتها تصبح مرتفعة القيمة. ففي البلدان الصغيرة مثل هولندا وبلجيكا بصفة خاصة، والتي تعتمد اعتمادا كبيرا على الخارج، فإن افتراض التخلي عن اليورو يحمل معه الكثير من السلبيات.
مخاطر صرف العملات "هذا الافتراض من شأنه أيضا أن يؤدي إلى حالة من عدم الثقة بشأن أسعار صرف العملات الوطنية، وخاصة بالنسبة للبلدان الصغيرة مثل هولندا وبلجيكا. وسينتج عنه أيضا تأثير سلبي على الاستثمارات والصادرات. هذه الأمور كلها ليست في صالح البلدان الصغيرة، وكأنها تعجل نهايتها بنفسها".
تعتمد هولندا على وجه الخصوص اعتمادا كبيرا على الاستثمار الخارجي، والاقتصاد الهولندي اقتصاد قوي نسبيا، غير أن المستثمرين يريدون الحصول على الحد الأقصى من الثقة والأمان. وإذا ما ظهر لهؤلاء أن ظروف الاستثمار في الصين على سبيل المثال أحسن، عندئذ ستفقد هولندا وضعها كمنطقة جذابة للاستثمارات الأجنبية.
يستند الاقتصاد الهولندي أساسا على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وهذا هو بالضبط ما سوف يضع هذا القطاع تحت الضغط بشكل حاد، إذا كان عليهم الالتجاء إلى التأمينات الإضافية تحسبا لعدم استقرار أسعار صرف العملة. أما الشركات الكبرى فعادة ما تتوفر على احتياطيات من العملات الأجنبية. ولكن هذا ترف لا يتوفر لدى الشركات الصغرى.
خسائرصناديق المعاشات ثم هناك في هولندا صناديق التقاعد الغنية. هذه الصناديق استثمرت كثيرا في السندات الحكومية باليورو لدول مثل ايطاليا. وإذا تخلى الإخوة الأقوياء عن اليورو، يعني ذلك التسبب في مشاكل كبرى لدول مثل إيطاليا، وبالتالي ستخسر صناديق التقاعد الكثير من استثماراتها باليورو.
ما تزال هولندا وألمانيا تظهران ممانعة في مد يد المساعدة لليونان. لكنهما، وفقا لبول دي خراو، فكأنما يسببان المشاكل لأنفسهما.
"هذا هو السبب الأساسي الذي وضعنا الآن في مأزق، وهذا شيء غير عقلاني لأنه مع مثل هذا الموقف، من المرجح أن تعجز اليونان عن تسديد ديونها، وهذا ما سيفتح الباب أمام بلدان أخرى لتحذو حذوها. وهذا ما سيؤدي إلى خسارات كبرى حتى في هولندا وألمانيا".
بالنسبة لليونان، يستبعد أن يكون خيار التخلي عن اليورو خيارا صائبا. سيكون عليها خفض قيمة عملتها، مما سيجعل تسديد ديونها باليورو أمرا صعبا، بحسب ما توصل إليه المصرفي البريطاني والمستشار المالي ديفيد مارش (David Marsh).
شئنا أم أبينا علينا إما مغادرة منطقة اليورو أو البقاء فيها، لكن بصفة جماعية.