أخيرا استجاب حسام البدري لنداءات الكثير من جماهير الأهلي التي طالبته مرارا وتكرارا في الآونة الأخيرة بالرحيل، وقرر ترك "الجمل بما حمل" كما يرى البعض، أو بعدما "خربها وقعد على تلها" مثلما يرى البعض الآخر. هذه هي المعضلة الرئيسية، فطريقة التعامل مع البدري تجعلك تشعر وكأنك في مدينتين منفصلتين، فإما متشبث ببقاء المدرب (وهؤلاء أصبحوا قلة في الأيام الأخيرة) أو رافض تماما لوجوده وربما كارها لليوم الذي دخل فيه النادي. المدافعون عن البدري لا يرون إلا أنه جاء في وقت عصيب بعد رحيل مانويل جوزيه واستطاع إخراج لاعبين شباب إلى النور، كما أنه نجح في الحفاظ على لقب الدوري وخسر الكأس بركلات الترجيح وفاز بالسوبر، كما أن الفريق لم يؤد بشكل جيد في موسمه الأخير مع جوزيه. أما الرافضون لمدرب الأهلي السابق، فيرون أنه تسلم تركة غنية بالنجوم واللاعبين، وأن جميع لاعبيه الأساسيين لعبوا لمنتخبات بلادهم حتى الأجانب، وتراجع الفريق خطوة بعد خطوة حتى لم يعد يحقق فوزا وحيدا خارج ملعبه، كما سقط للمرة الأولى في تاريخ النادي أمام فرق من زيمبابوي وليبيا. وفي رأيي الشخصي، فإن المشكلة الأساسية تتمثل في نقطتين، الأولى أن على الإنسان أن يكون أمينا مع نفسه قبل الآخرين، لا أن يغريه الراتب الوفير والمنصب الكبير، فيعمل ما لا يتناسب مع طبيعته ولا "الكارير" الذي رسمه لنفسه. فحسام البدري كان في الأساس مساعد مدرب ثم مدير كرة، وهذه آفة كبرى أصابت ملاعبنا بعد وفاة ثابت البطل مدير الكرة بالأهلي، فقام البدري بالدورين في نفس الوقت، والمثل بيقول "صاحب بالين كداب"، ثم تولى الإدارة الفنية للأهلي بالصدفة البحتة بعد اعتذار فينغادا.. فإذا كانت البداية "بالصدفة"، فالنهاية كانت مثلما رأينا. ربما كان تولي البدري لهذا المنصب في ذلك الوقت شجاعة منه لإنقاذ موسم ناديه بعدما فشلت إدارته في التعاقد مع مدرب أجنبي، لكن كان عليه أن يكون أمينا مع نفسه ويكتفي بما حققه مع الفريق الموسم الماضي ويرحل وهو بطل محمول على الأعناق، لا بضغوط من حركة "كفاية" فرع البدري! وفي نقاشي مع أحد الأصدقاء الأهلاوية على الفيسبوك، قارن صديقي بين تجربة البدري مع الأهلي وتجربتي حسام حسن مع الزمالك وحسن شحاتة مع منتخب مصر، لكني أقول إن حسام حسن عندما تولى تدريب الزمالك كان تعلم من خلال تجربتيه مع المصري ثم المصرية للاتصالات، وكان هدفه منذ اعتزاله هو الإدارة الفنية. وكذلك حسن شحاتة كان قد تعلم من تجاربه مع المنيا والمقاولون العرب ومنتخب الشباب، قبل أن يواصل نجاحاته مع المنتخب الأول، وهذا يؤكد أنه مدرب حقيقي يخطئ أو يصيب، لكنه مدرب محترف. أما النقطة الثانية، فهي العاطفة الشديدة التي تتعامل بها الجماهير في التقييم، فمثلا عندما خسر الأهلي في ليبيا أمام الاتحاد انهالت الجماهير بغضبها ولعناتها على رأس المدرب، وعندما فاز في مباراة العودة بثلاثية حملوه على الأعناق. وهكذا كلما خسر في مباراة لعنوه وكلما فاز في مباراة رفعوه إلى مصاف العظماء، حتى توترت العلاقة مع بدايات الموسم الحالي، فلم تعد الانتصارات تجدي شيئا مع الجماهير. ولهذا تحديدا كانت رغبة مجلس إدارة الأهلي شديدة في بقاء البدري وحاولت إثناءه عن قراره كثيرا دون جدوى، ليس ثقتها في إمكانياته، فالكل يعلم الانشقاق الكبير داخل المجلس حول المدرب، لكن لأنها لم تكن ترغب في أن يكون رحيله بناء على رغبة الجماهير، لأن هذا سيفتح عليها أبواب جهنم. فإذا تسببت ضغوط الجماهير اليوم في رحيل المدير الفني، فربما تتسبب غدا في رحيل مجلس الإدارة. كما أن أراء الجماهير واسعة ومتفاوتة، فلمن سيسمع مجلس الإدارة؟ وهل تعلم الجماهير كل ما يدور في الكواليس حتى تبني عليه قراراتها واحتجاجاتها؟ كما أن مجلس إدارة الأهلي يمتاز دوما بأنه لا يتأثر بأي ضغوط جماهيرية.. كان ذلك واضحا في التصريحات التي خرجت من عدلي القيعي والتي قال فيها إن ضغوط الجماهير كانت وراء رحيل البدري، بل وطالب جماهير فريقه بتقليد جماهير الزمالك في إعطاء كل الدعم للإدارة واللاعبين والجهاز الفني، رغم أن هذا ليس دقيقا تماما في العديد من المواقف السابقة. لقد ألقى الجمهور الكرة في ملعب الجهاز الفني والإدارة باحتجاجاتهم العلنية، ورد إليهم البدري الكرة في ملعبهم بتقديم استقالته.. والآن عادت الكرة في ملعب جماهير الأهلي، وعليهم الآن القيام بواجباتهم تجاه الفريق مثلما حصلوا على حقوقهم من وجهة نظرهم، فهل يحدث هذا؟.. إن غدا لناظره قريب.