لا نعرف ما هي الحكمة من وراء اصرار السيد محمد الغنوشي رئيس الوزراء المكلف على بقاء وزراء داخلية ودفاع ومالية وخارجية العهد السابق في مناصبهم في ظل العهد الجديد، ثم ما هي فائدة كل التضحيات التي قدمها ابناء تونس اذا كانت الوزارات السيادية، وخاصة الدفاع والخارجية في قبضة وزراء اختارهم الرئيس السابق زين العابدين بن علي؟ فمن المفترض ان يبدأ عهد جديد بعد انتصار الثورات في تحقيق التغيير الذي جاءت من اجله، تغيير في النهج الى جانب التغيير في القيادات والوجوه، ولكن ما نراه، وبعد الاطلاع على اسماء الوزراء في الحكومة الجديدة هو تغيير سطحي اقتصر على القشور فقط، ولا نعتقد ان الشعب التونسي سيقبل بذلك. صحيح ان الاستقرار مطلوب، بل هو مطلب اساسي مشروع، ولكن من يصرون على استمرار النظام السابق ورموزه هم الذين يقوضون هذا الاستقرار، ويصبون المزيد من الزيت على نيران العنف. نحن نعرف، بل والكل يعرف، ان منصب الوزير سياسي بالدرجة الاولى، وان من يقوم بالعمل الحقيقي في تطبيق اجراءات وقرارات السلطة السياسية هم وكلاء الوزارات والمديرون العامون، ولهذا فمن الخطأ القول بان مؤسسات الدولة لا يمكن ان تعمل الا في ظل الوزراء القدامى مثلما يصر السيد الغنوشي. الحكومة الانتقالية التي اقسمت اليمين بالامس ليس لها من توصيفها، اي 'حكومة وحدة وطنية' غير الاسم فقط، فأين هي الوحدة الوطنية هذه اذا كانت المناصب الوزارية للاحزاب المعارضة لم تتعد ثلاثة مناصب او حقائب، ولوزارات ثانوية؟ لم نفاجأ بانسحاب وزراء الاتحاد التونسي العام للشغل من الوزارة، بل ما نستغربه ان يكونوا قد قبلوا بالاساس بالانضمام اليها، وتولي حقائب هامشية ثانوية، ودون اي دور مؤثر في العملية السياسية. لا نستغرب ايضاً استمرار المظاهرات والاحتجاجات التي تطالب باسقاط هذه الحكومة في العاصمة ومدن تونسية مختلفة، لان هناك احساسا لدى الكثير من التونسيين ان هناك محاولة ماكرة لاستنساخ النظام السابق، وبما يؤدي الى استمراره في الحكم بصورة اخرى. استقالة السيدين فؤاد المبزع رئيس الدولة المؤقت ومحمد الغنوشي رئيس الوزراء من التجمع الدستوري الحاكم في العهد السابق هي محاولة التفاف على الثورة التونسية، وتفريغها من محتواها. التجمع الدستوري من الاحزاب الوطنية التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ تونس وحافظت على استقلالها، لا احد يجادل في ذلك ويختلف معه، والشيء نفسه يقال ايضاً عن انجازاته في مجالات التعليم والاقتصاد والتحديث، ولكن ما يمكن الجدل فيه هو اصرار بعض القائمين عليه على استمرار تحكمه في مقدرات البلاد حتى بعد الثورة. نحن ضد كل انواع الاقصاء او الاجتثاث، مثلما نحن ضد التعميم، ونسلم ان هناك عناصر جيدة نظيفة في هذا الحزب لا بد من اشتراكها في اي عملية سياسية جديدة في اطار ديمقراطي سليم، فهؤلاء ابناء تونس ايضاً، ويجب ان يكون الحكم النهائي للشعب عبر صناديق الاقتراع. ما نعارضه في هذه الصحيفة هو ابعاد كل الذين ساهموا في قمع الشعب التونسي، ونهب ثرواته، ومصادرة حرياته وحقوقه، وتقديمهم الى محاكم مستقلة وعادلة. لا نعتقد ان السيد الغنوشي رئيس الوزراء الحالي يلتزم بهذه المعايير في تشكيله للحكومة الجديدة، بل يريد الاستمرار على النهج السابق، من خلال التمسك برموزه وترسيخهم ووجودهم في الوزارات السيادية.