تقع محافظتا الجوفومأرب في منطقة جغرافية تتشابه الى حد كبير في تضاريسها وأهميتها، حيث تكاد أن تشكل وحدة جغرافية واحدة. الجوف التي تقع الى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء وعلى الحدود المتاخمة للملكة العربية السعودية الجار الشمالي لليمن، تلتصق بها محافظة مأرب من الجنوب لتكوِّنا سياجاً حول صنعاء، له أهميته الأمنية والبيولوجية. في حروب مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الأخيرة على اليمنيين، كانت محافظتا الجوفومأرب حاجز الصد الذي تكسرت عليه عنجهية تلك المليشيات وانهارت قواها، رغم المحاولات المستميتة للسيطرة عليهما لما لهما من أهمية كبرى. هاتان المحافظتان تقبعان على مخزونين ضخمين يشكلان عوامل قوة تستطيع من خلالها قيادة عملية التحرر لاستعادة الدولة التي سلبتها مليشيا الحوثي والمخلوع من أيدي ابنائها، يتمثلان في المخزون البشري الذي يشكله ابناء القبائل المتماسكة والتي حافظت على وحدتها، وكذا مخزون النفط والغاز الذي بات يشكل الرافد الأهم للاقتصاد الوطني منذ عقود. وعلى عكس المحافظات الأخرى، ظلت القبيلة في هاتين المحافظتين- التي حاولت المليشيات تدميرها وكسر قوتها لتقوية نفوذها على اليمنيين – ظلت حاضرة بقوة لتتمكن مؤخراً من حماية المحافظتين من عبث المليشيات ومحاولاتها، فالجوف بكاملها تمثل قبلية واحدة هي «دهم» أما مأرب فقد بدت قبائلها - التي كان المخلوع صالح يغذي فيها الصراعات والنعرات – كما لو أنها قبيلة واحدة في الدفاع عن محافظتهم. صمود اسطوري صمود هاتين المحافظتين لم يكن صدفة كما لم يكن حرب المليشيات عليها مجرد محاولة للتمدد في الجمهورية فحسب، لقد ساهمت عوامل كثيرة في دعم مقاومة الجوفومأرب والحفاظ عليها من المليشيات، لتضع مأربوالجوف في واجهة الأحداث. قبل شهر من الان استعادة قبائل الجوف السيطرة على محافظتهم وطرد مليشيا الحوثي منها، لتبقى بعض الجيوب التي تسعى المقاومة لتطهيرها في مديرية الغيل. تأثير وجاهات في الغالب كان لوجاهات اجتماعية معينة في هاتين المحافظتين دور كبير في تحقيق انتصارات متوالية على المليشيات الانقلابية، فالدعم والاسناد التي تلقته تلك الشخصيات للدفاع عن المحافظتين لم يكن قليلاً، في الوقت الذي كانت هي لا تتواني عن اسناد ودعم الجبهات بكل ما يصلها مالياً وعسكرياً، الأمر الذي مثل حجر الزاوية في تقوية الثقة بين ابناء القبائل المقاتلين وقيادة تلك المقاومات الشعبية التي لم تكن أحياناً تنتمي لنفس فصيلها القبلي. في «الجوف» برزت شخصيات اجتماعية لم تكن تنتمي لقبيلة «دهم» التي تمثل المحافظة قبلياً، وعلى رأسها «الحسن أبكر» الذي يحظى باحترام وتقدير واسعين وسط أبناء المحافظة، وظل المئات يقاتلون تحت لوائه رغم أنه لا ينتمي اليها قبلياً. بينما استطاع محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة، أن يحافظ على مكون القبيلة متماسكاً، في ظل عمليات اللاوعي الذي حاول المخلوع صالح التأثير من خلاله لتفريخ تلك القبائل العنيدة. الدعم والقيادة تسلمت المقاومة في الجوف – وقوامها حوالي 2000 فرد، لم يخضع غاليتهم لتدريبات عسكرية – تسلمت دعماً مالياً وعسكريا من التحالف العربي بقيادة السعودية، وهو عبارة عن أموال وسلاح مشاة، توزعت بين أطقم عسكرية ورشاشات وهاونات ومدفعية قليلة وأسلحة شخصية «كلاشنكوف» وقناصات. وفي هذا الصدد، أوضح أبو عمر ان «تلك الأسلحة وخاصة المدفعية والرشاشات، لم تكن روسية الصنع التي تعود اليمنيون عليها»، لافتا الى انها «كانت جديدة على افرادنا وبالكاد كانوا يجدون أشخاصاً يستطيعون التعامل معها». ما لمسته خلال إعداد التقرير، هو قرب قائد مقاومة الجوف الحسن أبكر، من أفراد المقاومة، ف«أبكر القائد» كان مخلصاً حريصاً أن يرى اليمن محررة من تلك المليشيات – حسب قيادات ميدانية حارب أبكر معها جنباً الى جنب. يقول أحد الذي قاتلوا الى جوار أبكر : «إن الاخير كان الى جوارهم في كل لحظة ولم يكن يبخل على مقاتلي المقاومة في أي لحظة»، مضيفاً «كان يقول لنا انتم تصنعون نصراً لهذا الشعب وما تحتاجوه هو ضروري لهذا النصر واجب علينا توفيره». قائد ميداني في مقاومة الجوف حميد قال أيضاً، إن «كل ما كان يصل الشيخ ابكر من دعم كان يعطيه للجبهة، ولم يأخذ إلا طقم أو اثنين فقط ليس له شخصياً وإنما كونه القائد»، موضحا انه «لمدة شهرين من العام المنصرم كانت صرفيات 2000 جندي في الجبهة من الحسن ابكر، وانه كان يعطي مكافآت للشباب بمقدار 2000 ريال يمني مصروف يومي و1000 سعودي شهريا للفرد الواحد، كلها من عند الشيخ الحسن أبكر». لم يقتصر دعم مقاومة الجوف مصدر إمداد ودعم لمقاومات يمنية أخرى في عدد من المحافظات، فالمقاومة في كل من مأربوالبيضاء وشبوة وإب تلقت دعماُ مالياً وبعضها تلقى دعماً عسكرياً أيضاُ من قائد مقاومة الجوف الحسن أبكر، فقد علم «مأرب برس» من مصادر مطلعة أن جبهات عدة للمقاومة في اليمن، تلقت دعماً مالياً لا بأس به من أبكر، وهو ما أكده قادة ميدانيين في عدد من تلك الجبهات بمحافظات البيضاءومأرب وشبوة وإب. مصادر في مقاومة مأرب، أكدت ل«مأرب برس» أنه «لولا الله ثم الدعم المالي الذي قدمه أبكر للمقاومة في مأرب خلال فترة زمنية معينة، لكانت هي الأخرى – أي «مأرب» – في خبر كان، وهو ما أكده قياديان آخران في مقاومتي بيحان بشبوة وإب، حيث أكدا ل «مأرب برس» «وصول دعم مالي للمقاومة هناك من الحسن أبكر». تراجيديا الجوف.. السقوط والانتصار عاشت الجوف منتصف العام الحالي 2015م، شهراً تراجيدياً بامتياز، صنع مأساتها أبطال «مسلسل اسقاط اليمن»، وشارك فيه بالقوة «الكومبرس» المتفننون في حمل البندقية واستخدامها، فحسب- القادمون من كهوف مران وجبال صنعاء. كانت المقاومة في هذه المحافظة، خرجت من الحرب الأخيرة التي خاضتها مع مليشيات الحوثي والتي انتهت قبل أيام على اقتحام صنعاء، وبالضبط ليلة ال19 من سبتمبر 2014م، أي قبل اقتحام العاصمة بيومين. فقدت المحافظة في حرب 2014م، مع مليشيات الحوثي، المئات من خيرة أبنائها، حيث استشهد حوالي300 فرد، بينما جرح حوالي560 آخرون. حاول الحوثيون حينها التفرغ لاقتحام العاصمة اليمنية، ليكون النصر كبيراً بعيداً عن جزئية الجوف التي تدخلت فيها لجنة وساطة توصلت الى صلح بين ابناء الجوف والحوثيين يقضي بانسحاب الاخيرين منها نهائياً. كان قادة الحوثيين يدركون أنه في حال انتهاء الأمر بصنعاء فإن الجوف والصدر وغيرها ستأتي تباعاً، فصنعاء الرأس المدبر لليمن، طيلة عقود وقرون. بعد 6 أشهر، عادت المليشيات الى الجوف في غزوتها الثالثة – خلال 5 سنين - والتي تختلف هذه المرة عن سابقاتها، حيث لم يكونوا من قبل يسيطرون الا على صعدة ومديرية واحدة في عمران فقط. في الجوف كانت المقاومة تستعد لتحرير كامل المحافظة من المليشيات، بينما كانت القوات العسكرية التابعة للمخلوع علي صالح، والتي خضعت لإمرة المليشيات الحوثية، تزحف شرقاً من العاصمة صنعاء باتجاه جوف اليمن. قائد المقاومة الشعبية في الجوف أنذاك، الشيخ الحسن أبكر، يصدر أوامره بالتحرك، تحت ضغط الحرب التي بدأت تستعر في مناطق اليمن، وبالتنسيق مع المقاومة الشعبية في جميع المناطق اليمنية، التي لم تبدأ عملياتها في التاريخ الذي تم التوافق عليه – حسب قيادات في مقاومة الجوف. بعد انطلاق العملية العسكرية العربية لتحرير اليمن بقيادة السعودية، بأسابيع قليلة، نفذت المقاومة الشعبية عملية عسكرية خاطفة استعادت من خلالها «اليتمة» وهي المديرية المحاذية للحدود اليمنية السعودية وآخر مديرية تتبع الجوف باتجاه محافظة صعدة اليمنية. يقول أبو عمر – وهو القائد الميداني الذي أدار العملية العسكرية للمقاومة في اليتمة: «طهرنا المنطقة بالتنسيق المسبق مع قوات التحالف العربي وكانت ضربات الطيران العربي قد قسمت ظهر المليشيات، ووصلنا بالقرب من «منطقة البقع» حيث كنا بانتظار مسلحين «قبائل وايلة» نسقنا معهم للاشتراك معنا في العملية بهدف التحرك داخل عمق محافظة صعدة لتحريرها، وضرب المليشيات في محضنها». ويضيف القائد الميداني للمقاومة أن «أبناء وائلة لم يفوا بما اتفقنا عليه، وهو ما اضطرنا لعدم التقدم، كون القوة البشرية والعسكرية التي معنا لا تكفي للتوغل في مناطق واسعة دون عملية إمداد». تسارعت الأحداث تدريجيا وعكسياً، لتشكل «فيلم أكشن" غير مسبوق، فما حررته المقاومة من مناطق شاسعة واستراتيجية، خلال حوالي 25 يوم، صار مع عاصمة المحافظة، خلال خمسة أيام فقط في قبضة المليشيات من جديد. حسب لقاءاتنا بعدد من القادة الميدانيين لمقاومة الجوف، فقد شكلت عدم الخبرة بالسلاح وقلة التدريب وضيق الوقت في الاعداد والتجهيز، عوائق كبيرة أمام إنجاز عملية التحرير والحفاظ على المناطق المحررة، التي باءت أخيراً بالفشل، والتي استعادت تموضعها فيها مجدداً مليشيات الحوثي والمخلوع التي تجيد الخبرة العسكرية والأسلحة المتطورة، التي خرجت من الوية الحرس الجمهوري المرابطة على تخوم محافظة الجوف. استغلت المليشيات الانقلابية، الهدنة الانسانية التي أقرها التحالف العربي لمدة خمسة ايام، بداية عاصفة الحزم، وحركت قوة ضاربة بأفرادها من معسكرات الحرس التابعة للمخلوع مع مئات الحوثيين، الى الحدود بين «حرف سفيان» بعمرانوالجوف، ثم تقدمت داخل محافظة الجوف. تحركت مليشيات الحوثي والمخلوع خلال ايام الهدنة تلك على 3 محاور، المحور الشمالي منطقة اسطر أو الصدر، ثم تحركت باتجاه معسكر الفاروق المهاشمة، القريب من اليتمة 35 كيلو، ومن الجهة الشرقية من خلال وادي عفي ثم هضبة ال جعيل ثم الصفحة وبوين - وهي سلسلة جبلية تقطع خط الامداد الواصل بين الحزم واليتمة، بعد خمسة ايام من المعارك الشرسة، قبل أن تسيطر عليها المليشيات بالتنسيق مع بعض القبائل. قطعت المليشيات الخط الرابط بين منطقة الحزم «عاصمة المحافظة"، ومنطقة «اليتمة» الاستراتيجية، ما اضطر قوات المقاومة المسيطرة على اليتمة، للانسحاب شمالاً ثم الدخول في المنطقة الصحراوية شرقا والالتفاف الى معسكر «اللبنات» الى الجنوب الشرقي من المحافظة، حيث دارت فيه اشتباكات عنيفة، اضطرت المقاومة للانسحاب والتوجه جنوباً باتجاه المحافظة الشقيقة «مأرب». الطريق الى مأرب بينما كانت القاومة تجري آخر الترتيبات للانسحاب من المحافظة، كانت قوة عسكرية قوامها 200 فرد واسلحة متوسطة وخفيفة، في طريقها من مأرب الى الجوف لإمداد المقاومة، قبل أن تعود أدراجها من منتصف الطريق بإخبارية عسكرية تقضي بعودتهم فالمقاومة في الجوف قد انسحبت من طريق غير رسمي بما تبقى من سلاحها الى مأرب عاصمة المقاومة. وصلت مقاومة الجوف بأقل من نصف أفرادها الى مارب، بينما تفرق الباقون على مناطقهم وعادوا الى ديارهم، بعد شهر من الكفاح في تحرير محافظتهم، وجلب هؤلاء معهم كلما تبقى من سلاح خفيف وثقيل وانخرطوا في جبهات مارب تحت قيادة المقاومة فيها. وعلم «مأرب برس» من مصادر خاصة أن الشيخ سلطان العرادة – محافظ محافظة مارب، تسلم حينها كل ما تبقى من أسلحة مقاومة الجوف باستلام رسمي من القائد أبكر، مشيرة إلى أن العرادة أبلغ اللجنة العسكرية الخاصة التابعة للتحالف العربي بذلك. واصلت «مقاومة الجوف" القتال في صفوف «مقاومة مأرب» ، بعشرات من أفرادها، وبدأت بتشكيل معسكرين خاصين لتحرير الجوف، تنضوي هذه المعسكرات تحت لواء المنطقة العسكرية السادسة، بقيادة اللواء أمين الوائلي. عاد قائد المقاومة في الجوف الشيخ الحسن أبكر ليقود أحد هذين المعسكرين، بينما شكل الشيخ أمين العكيمي لواء النصر الخاص بقبائل دهم، وهما «أبكر» و«العكيمي» كجنديين لا يحظيا بأي امتيازات سوى بقيادة المقاومة – حسب الناطق بإسم مقاومة الجوف. وجرت استعدادات غير مسبوقة، وبذلت قيادة المحافظة ممثلة بالمحافظ الشيخ حسين العجي العواضي جهوداً حثيثة لتزويد معسكرات المقاومة تلك، بما يمكن من تحقيق الانتصار وتحرير المحافظة من تلك المليشيات التي عبثت في كل شبر في اليمن. بينما تمكنت محافظة مأرب من الانتصار على المليشيات الانقلابية، التي اقتربت مؤخراً من حدود صنعاء، قاتلت الجوف وأبناءها لانتزاع نصر تاريخي هو الآخر، من خلال تلك الاستعدادات المكثفة التي وجهت من خلالها ضربة للمليشيات التي عبثت بكرامة الجوف وابنائه، وحاولت كسر إرادتهم وإخضاعهم. اليمنيون جميعهم، ينتظرون على أحر من الجمر، ذلك اليوم التاريخي، الذي يستعيدون فيه العاصمة صنعاء، ويحررون فيه صعدة وعمران، ويخرجون العوام والمغرر بهم من كهوف وسرادب الحوثي والمخلوع ويعيدون مليشياتهم الى جحورها. وبعد ان استكملت مقاومة مأرب مسنودة بقوات برية تابعة للتحالف وصلت مؤخرا الى مأرب، السيطرة على اكثر من 90% من المحافظة، عدت العدة بالتنسيق مع مقاومة الجوف، وانطلقت لتحرير الجوف، وتلقت مليشيا الحوثي ضربة غير متوقعة، بعد ان تمكنت المقاومة من السيطرة على معسكر اللبنات ومركز المحافظة الحزم والتوجه نحو الغيل لتطهير ما تبقى من جيوب للحوثيين هناك. مقاومتا الجوفومأرب، أدركتا اهمية استعادة العاصمة صنعاء، فجهزت الوية عسكرية مشتركة من المحافظتين والجيش الوطني بقيادة العميد هاشم الاحمر، وانطلقت تلك الالوية لتحرير العاصمة صنعاء، وبدأت باستعادة عددا من المواقع والجبال الاستراتيجية بمديرة نهم شرق العاصمة.