سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لماذا فشلت الثورة في تغيير السياسيين والصحفيين..؟ هل سيتفق الإصلاحيون والحوثيون والسلفيون في شهر رمضان أم أن الطقوس المذهبية ستثير الخلافات فيما بينهم..؟
تلك الأحلام التي راودت النخبة من المثقفين والصحفيين والأكاديميين والسياسيين دونما اهتمام بالترتيب.. عن يمن الغد وأحلام الدولة المدنية ضلت طريقها . فمن يرسم لوحة اليمن الجميل، ويتأهب لإقامة الدولة المدنية هم معتصمو الساحة والذين لا يعرفون شيئاً عن أحلام تلك النخبة !. فالفجوة التي صنعها النخبة بينهم وبين عامة المجتمع هي من دفعت الأول للجزم بأن اليمنيين – على الأقل – غير قادرين على المكوث في الساحات وأنهم شعب يحب العجلة والقطبة، وغير ذلك من الأحكام المسبقة التي أسهب النخبة في ترديدها . وليس ذلك فحسب، فالجماعة الإسلامية كان لها نصيب وافر وصارت في نظر أولئك بأنها غير قادرة على التعايش مع الآخر.. ما يحدث من قبل النخبة هو إقصاء لمن دونهم، وكان للغة الذات والأنا سبب وراء عدم مشاركة السواد الأعظم من النخبة في رسم يمن الغد الذي بدأت ملاحمه تتشكل في ساحات الحرية والتغيير : بعد أن تمكن شباب الثورة من نصب خيامهم بساحة التغيير بصنعاء الموافق 20 فبراير الماضي، دعا تكتل اللقاء المشترك قواعده وأنصاره إلى الالتحام بشباب الثورة وكان ذلك في مساء الثلاثاء 22 فبراير الفائت . في اليوم التالي التحقت بالمعتصمين مجاميع عديدة من المشترك، وكان أغلبهم من شباب الإصلاح وتحديداً الدائرتين 18 و19، إضافة إلى طلاب من جامعة الإيمان والذين تميزوا في تلك الليلة بالحقائب القماشية "سفري" المتدلية على ظهورهم . لا زلت أتذكر جيداً ذلك البرد القارس لليلة الأربعاء وذلك الحشد الهائل للمعتصمين الذين عجزت الخيام على استيعابهم . في الأيام الأولى للالتحاق بشباب الإصلاح كانت تبدو ساحة التغيير في نظرهم كاعتكاف وتجلت حقيقة ذلك من خلال الطقوس والأنشطة التي فرضت حينها على ساحة التغيير . تلك الفعاليات أثارت حفيظة الحداثيين واليساريين الذين اندفعوا لاستحداث منصة أخرى تعبر عن رؤيتهم للغد . خلال الأسبوعين الأولين للاعتصام لم تكن ملامح الدولة المدنية قد تجلت للعيان، ولكن الأيام كانت كفيلة بذلك . فشباب الإصلاح المندفعون بحماس خلال اليومين الأولين لانضمامهم الأربعاء والخميس 23و24 فبراير الماضي.. قاموا دونما تردد بإيقاظ المعتصمين لأداء صلاة الفجر، كانت طريقة الإيقاظ فجة في نظر البعض ولم تقتصر على ذلك فطقوس المعتكفين في المساجد تتطلب منهم أداء صلاة قيام الليل، وذلك ما حدث في الثانية من فجر الجمعة حينما عمد شباب الإصلاح إلى فتح مكبرات الصوت ومناداة المعتصمين للصلاة تنفلاً . ومع ذلك ففكرة الاعتكاف تلك استطاع شباب الإصلاح التخلص منها رويداً رويداً، تماماً كما هو الحال مع البرلماني الرائع فؤاد دحابة والذي كان يعمد إلى مناداة المعتصمين للصالة خلفه: " اقتنعت بأن أسلوبي كان منفراً وأن الآذان كفيل بذلك"، قالها دحابة معبراً عن تخليه عن تنفير الناس من أداء العبادات فالدين يسر، إلا أن القلة من شباب الإصلاح لا يزالون بين تارة وأخري يزعجون النائمين عند صلاة الفجر بهتافاتهم: "الشعب يريد إزعاج النيام ". حمود هزاع والذي كانت تعتريه مشاعر السخط من الخطاب الديني المتكرر من على منصة الاعتصام يقول عنها: "تلاشت بعد أن استوعب دعاة الإصلاح بأن تلك المنصة ليست منبراً للخطبة ". الحماس المتدفق لدى الدعاة الأجلاء في حزب الإصلاح كانت تدفعهم للصعود نحو المنصة بمجرد المرور من جوارها كما أن التقدير والاحترام الذي يكنه شباب الإصلاح لعلمائهم كان سبباً وراء الزج بهم نحو ذلك:" في يوم واحد سمعت خمس خطب دينية من صعتر والمؤيد وعباد ودحابة ولم اسمع أي خطاب ثوري أو سياسي"، قالها إبراهيم سعد معبراً عن سخطه من تغليب الخطاب الديني على الثوري . في جمعة الصمود التقيت برئيس دائرة الإعلام بحزب التجمع اليمني للإصلاح الدكتور/ فتحي العزب ونقلت له مخاوف البعض من قيام دولة دينية كان العزب متفهماً للغاية وقال بأن هذه التصرفات من المشايخ والدعاة هي فردية وليست لها علاقة بسياسة حزب الإصلاح وأنها لا ينبغي لها أن تستمر . وفعلاً ذلك ما حدث، فقد غاب الخطاب الديني عن المنصة ولم تعد على الأقل قدم الدكتور عبد الرقيب عباد معتادة على الصعود كما اعتادت في السابق على الصعود ليلاً ونهاراً . التعايش التعايش والقبول بالآخر تجلت ملامحه مع مرور الأيام، يقول خالد الريمي:" كانت خيمة شباب الحوثي والسلفيين مجاورتان لبعضهما البعض، فكان الحوثيون يحرصون على فتح قناة المنار وقناة العالم، فيما السلفيون يشاهدون قناة الصفاء، وكان ذلك الفعل ناتجاً عن أيديولوجيا الطرفين والتي انتهت باقتصار الطرفين على قناة سهيل فيما بعد ". التعايش بين أتباع جماعة الحوثي والجماعة السلفية بلغت ذروتها بتنظيم فعاليات مشتركة بينهما حول الثورة وأحلام الدولة التي نريدها . خلص حلم المنظمين لتلك الندوة بأننا نريدها دولة مدنية قالها محمد الوجيه أحد شباب جماعة الحوثي . ومع ذلك يبدو أن ائتلاف شباب الصمود "الحوثيين " الذين أذهلوا على الأقل من في ساحة التغيير، بحاجة للتخلي عن عداوتهم لمنتسبي الفرقة الأولى مدرع وتجاوز ذلك الحيز الضيق لعطائهم الثوري ليشمل من صوب بالأمس البنادق نحوهم، وبصنيعهم هذا ستطغي لغة التسامح على لغة الانتقام . حري ب عبدالملك الحوثي أن يعزز من ثقافة التسامح بين أنصاره ويأخذ بأيديهم نحو بناء يمن الغد ووضع برنامج سياسي للنهوض بوطنه، ولا ضير حينئذ من فتح ملف الحروب الست وأن يترك للقضاء تحديد مسئولية المتسبب في إشعالها فذلك ليس من مهمته . رمضان.. هل يكون بألوان قوس قزح الثورات العربية التي اندلعت شرارتها من تونس الخضراء أعادت للجمعة ألقها ومكانتها لدى المسلمين ونتج عن هذه الجمع الثورية توحيد الجماعات الإسلامية وتوحيد خطابها الديني – على الأقل – خلال هذه الأحداث التاريخية التي لم تقتصر على هذه الجماعات الإسلامية بل امتدت نحو الحركات والتيارات السياسية "تصالح حماس وفتح نموذج ". في اليمن وتحديداً في العاصمة صنعاء كان لتنوع خطباء الجمعة أثر في نفوس اليمنيين، فهذه الخطبة كانت لداعية إصلاحي وتلك لشيخ سلفي، وهذا من الحوثيين وذلك من الصوفية . ولهذا التنوع لم ينشب خلاف بين الجماعات الإسلامية المعتصم أفرادها بساحة التغيير بصنعاء على مدي الخمسة الأشهر الماضية الذين يتداول بعض رموزها إمامة الصلاة والنداء بالأذان عند كل فريضة، باستثناء المحاولة اليائسة للائتلافات والحركات السلفية التي سعت إلى تغيير أسم جمعة من أجل دولة مدنية إلى دولة إسلامية. . ولعل المثير في الأمر حينها هو تغيب رموز دعاة الدولة المدنية من الحداثيين واليساريين عن صلاة الجمعة تلك . ها هو يطل علينا شهر رمضان المبارك، وخلاله ستخوض الجماعات الإسلامية المنضوية بميادين الحرية وساحات التغيير امتحان عسير وصعب للغاية، فهل بمقدورها أخوان مسلمين وحوثيين وسلفيين وصوفيين ممارسة طقوسها الدينية دون فرضها على الآخر أو أجبار طرف على الامتثال لطقوس طرف أخر؟ . فمثلا معروف عن السلفيين في شهر رمضان تعجيل أذان المغرب لثلاث دقائق عن الوقت المتعارف عليه وتأخير أذان الفجر لخمس دقائق، كما يقوم شباب الإصلاح بأداء صلاة التراويح في جماعة، في حين يحيي شباب الحوثي والجماعات الصوفية ما يمكن تسميته بحلقات الذكر الليلية.. وغير ذلك من الطقوس الدينية التي لطالما أثارت الخلاف بين هذه الجماعات الإسلامية . يبدو أن الامتحان العسير .. ولكني أثق تماماً في قدرة كل الأطراف على التعايش فيما بينها دون تحيز هذا الطرف أو ذاك لمعتقده أو طقوسه الدينية . خطاب فردي بلسان جماعي تلك المنصة التي أدارها شباب الإصلاح لعدة أيام، هي ذاتها من يديرها الآن ممثلون عن كل التيارات السياسية والحركات والجماعات الإسلامية والمستقلين، وبهذه الألوان صارت لوحة بارعة الجمال وكل واحد منهم يعبر عن حبه لليمن وفقاً لأيديولوجيته التي لا تقصي الآخر . حملة تنظيف من نوع آخر أحلام الدولة المدنية التي تسيطر على أذهان المعتصمين بالساحات، والرغبة في التعايش مع الآخر تبدو راسخة في أذهان العامة الذين دشنوا ذلك بشكل عملي، فبقاؤهم في الساحات إلى جوار من كانوا غير مرغوب في مجالستهم لما يحملون من فكر مناهض لهم دفع بهم إلى التخلي عن تلك الأحكام المسبقة والاحتقانات الإيديولوجية ضد الطرف الآخر . يقول الزميل محمد الشرعبي:" أتمنى من النخبة والمثقفين والحداثيين والصحفيين تحديداً الاعتصام في الساحات للتنظف ممّا علق في أذهانهم عن الآخر، ادعوهم للاحتكاك مع المعتصمين لكي يتخلوا عن تلك النظرات السلبية ضد الطرف الآخر، عليهم النزول لرؤية اليمن الجميل كيف يتشكل بعيداً عن نظرياتهم وأطروحاتهم ". لقد تمكن المعتصمين بساحات وميادين التغيير من تجاوز تلك الايدولوجيا التي غرسها النخبة بإحكام، وصار بمقدورهم رمي تلك النظريات والأفكار التي نمت بوجدانهم خلف ظهورهم دونما اكتراث بتلك المناهج التي درسوها جيداً، بل أن تلك الفتاوى الدينية التي التزمت بها عناصر الجماعات الإسلامية باليمن صارت جزء من الماضي حالها كحال النظام المتأهب للسقوط . تسني لهم ذلك بسبب ثباتهم في الاعتصام وإصرارهم على تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم مع الآخر، ولكن النخبة من السياسيين والمثقفين والصحفيين لم يتمكنوا من ذلك وضلوا رهينة لتلك الأحكام المسبقة التي حملوها معهم منذ الأزل، بسبب عدم بقائهم في الساحات التي تمكنت من تنظيف معتصميها على مدي الخمسة الأشهر الماضية وإزالة تلك الايدولوجيا العتيقة من نفوسهم التي تعمد على إزاحة وإقصاء الآخر . إدمان الزائر لساحات الحرية والتغيير تراه دونما طلب من أحد يكرر زيارته والتي تخلص في الأخير إلى الاعتصام . يقول إبراهيم صبيح :" دعاني أحد أصدقائي للالتقاء به في الساحة، كنت متردداً في الحضور وذلك لرفضي المسبق في الذهاب إلى هناك، ولكن إلحاحه وإصراره كان سبباً في حضوري، وعند وصولي قام صديقي وأخذني في جولة قصيرة ثم ودعني ". ويضيف صبيح:"في اليوم التالي ذهبت للساحة دونما سبب واضح وفي الثالث قمت بذلك والآن صرت مدمناً على زيارتها ". ذلك الإدمان بحسب صبيح لرؤيته ليمن جديد يتشكل في الساحة من قبل من هم في سنه . فجوة هائلة يبدو أن هذا اليمني الجديد ما كان لأحلام الحداثيين واليساريين والإخوان المسلمين وغيرهم الاقتناع بأنه المصير الحتمي لليمنيين . فالفجوة الهائلة بين النخبة والعامة دفعت الأول للجزم بأن اليمنيين غير قادرين على الانتصار لكرامتهم وأنهم عاجزون عن مشاركتهم في رسم لوحة ذلك اليمن الذي يحلم به النخبة . ومع قيام هذه الثورة الشبابية لا زالت هذه الفجوة قائمة، فمن يرسم لوحة يمن الغد هم معتصمو الساحة في حين ترفعت نفوس النخبة عن العيش بين تلك الخيام وبالتالي استعصي عليها القبول بالآخر . النخبة.. اكتفت حالياً بالانتقاد والانتقاد فقط لأخطاء من يرسمون لوحة الغد، فمن بين جدران منازلهم يكتبون للصحف ويتحدثون للقنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام ليعبروا عن سخطهم من زلات وعثرات شباب الثورة، ولا يكتفون بذلك من الإساءات التي تكون مجالس القات وصفحات الفيس بوك الحاضن لما يعتريهم من أحداث لم تراها أعينهم . يقول عبدالوهاب البركاني:" أتمنى من السياسيين والكتاب والصحفيين الغير معتصمين أن يتركوا لنا حالنا، فنحن جديرون برسم أجمل اللوحات وقادرون على أن نجعل من يمن الغد كأسطورة خيالية ". من جانبه يقول الحسن الضياني "إصلاحي" :" ما يحدث في الساحات لا يعرف حقيقته إلا من شاهده بأم عينه، فكل يوم نتعلم من أخطائنا السابقة ونلغي أحكامنا المسبقة، وبهذا نحن نتغير في حين يبقى النخبة من المثقفين والصحفيين الغير مقيمين بالساحة دونما تغير أو تبدل ". المرأة.. حكاية غير ما تحدث به الشباب المعتصمون حاولت البحث عنه وإليكم القليل مما رصدته في تلك الأرض المقدسة فحديث علي عبدالله صالح عن الاختلاط دفع بالمعتصمين وعلمائهم للتأكيد على شرعيته والانتصار للاختلاط الذي كان يحرمه العلماء . وفي صنعاء حدث ما هو أكثر من ذلك حينما وقفت أم الثورة "تقية مفتاح" للرقص فرحاً والشباب يلتفون حولها للتصفيق . في ساحة التغيير من المألوف مشاهدة الفتيات وهن يشربن الشاي في البوافي العامة، ورؤيتهن وهن واقفات أمام عربيات البطاط، وليس ذلك فحسب فالندوات والحلقات النقاشية أثناء مقيل القات تكون فيها النساء مع الرجال جنباً إلى جنب . عشرات المرات احتفل فيها شباب الثورة بزفاف أصدقائهم، وليس الإثارة هنا وإنما في الحاضرين، فالزفة الصنعانية وهي أهم الطقوس الرئيسية لاحتفالات الأعراس كانت تتم الزفة بحضور النساء والرجال . من المستحيل قبل الثورة مشاهدة المرأة وهي موجودة في زفة الرجال، فأقصى شيء كان يمكن حدوثه هو رؤيتها وهي على أسطح المباني، لكنها في ساحة التغيير تشارك العريس فرحته وتردد مع المبتهجين الأهازيج الفرائحية .