حسم الجدل حول خلافة الشيخ تميم لوالده الأمير حمد بن خليفة، حيث أعلن الأخير، في 25 يونيو الجاري، في خطاب تلفزيوني إلى القطريين تخليه عن السلطة وتسليمها لأبنه، بعد ثمانية عشر عام أمضاها في حكم قطر، لتكون بذلك قطر هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي لديها ثلاث حكام على قيد الحياة. فقد شهدت الأسابيع الماضية، تواتر روايات عن انتقال للسلطة وشيك في قطر غير أنه لم يكن هناك تعليق من التلفزيون الحكومي أو وكالات الأنباء الرسمية أو الصحف القطرية أو الديوان الأميري على التقارير المتواترة، بل كان من الواضح جليا أن القرار بترقية تميم "رسميا" مسألة "توقيت" وليس مسألة "حدوث"، لاسيما بعد تزايد نفوذ ولي العهد القطري في الإدارة اليومية لشئون الحكم، خلال السنوات الماضية، سواء على المستوى الداخلي أو النطاق الخارجي، وهو ما تزامن مع متاعب صحية يعاني منها الأمير السابق حمد بن خليفة ورغبته في التقاعد. إشكاليات الخلافة ووفقا للاتجاه الرئيسي في أدبيات النظم المقارنة، يمثل انتقال السلطة في الدول العربية إشكالية تعاني منها أغلب النظم السياسية، سواء في تحديد الشخص الذي ينبغي له أن يتولى السلطة أو في الأسلوب الذي يتم به ولاية هذا الشخص أو الأثار الناجمة عن تغيير السلف وقدوم الخلف. (*) الإشكالية الأولى تتعلق بماهية الشخص الخلف للأمير حمد بن خليفة، وهو ولي العهد الشيخ تميم، الذي تولى ولاية العهد في الخامس من أغسطس 2003 بعد تخلي شقيقه الأكبر الشيخ جاسم عن المنصب. وقد تم حسم "ملف" الخلافة في قطر، ليس في الفترة الحالية، وإما منذ السنوات الفائتة، لاسيما أن خريطة التوازنات داخل الأسرة القطرية الحاكمة تصب في صالحه في مواجهة المرشحين المحتملين وهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم أو حتى أخوته، بما يمهد لجاهزية ولي العهد لتبوأ مقاليد الحكم، في مرحلة ما مقبلة (والتي جاءت بالفعل). مسئوليات متزايدة فقد تولي الشيخ تميم مناصب عدة منذ شغله موقع ولي العهد في أغسطس 2003، منها نائب القائد العام للقوات المسلحة، ونائب رئيس مجلس العائلة الحاكمة، ونائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الاقتصادية والاستثمار. كما يترأس عدد من المؤسسات من بينها المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومجلس إدارة جهاز قطر للاستثمار وإدارة هيئة الأشغال العامة والهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني والمجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية. كما يشرف على مشاريع تنموية ضخمة تابعة له من ذلك مشروع رؤية قطر الوطنية (2030) والأمانة العامة للتخطيط التنموي، وجهاز الإحصاء، واللجنة الوطنية للشفافية والنزاهة، وأكاديمية التفوق الرياضي والحي الثقافي، وهو ما يشير إلى اكتساب الشيخ تميم نفوذا متزايدا في الشأن الداخلي. وفي عام 2011، تم تعيين نائبين جديدين كلاهما من المقربين للأمير تميم (أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود وعبد الله بن حمد العطية) بحيث بدا الأخير يدعم سلطته في مجلس الوزراء أو يسعى لتشكيل "حكومة ظل" أو مجلس وزراء تابع له، وأشرف على حركة تغييرات في المؤسسة الأمنية، خلال الأشهر الماضية، بما يضمن ولاء العاملين فيها. ويعد صاحب الكلمة الفعلية في مجالات الدفاع وصفقات التسليح. وعلى المستوى الخارجي، تولى ولي العهد القطري إدارة ملفات إقليمية مثل مفاوضات السلام في دارفور وتسوية الأزمة اللبنانية في عام 2008 والاتصال بالقبائل الليبية لتسهيل الإطاحة بنظام القذافي وانتقال السلطة في اليمن بعد طرح المبادرة الخليجية، والتجهيز لاستضافة قطر لكأس العالم 2022. ومن هنا، يتضح أن الأمير حمد كان يمنح ولي عهده تميم ثقة متزايدة ويوسع صلاحياته تدريجيا ويوكله بملفات شديدة الحساسية باعتباره حاكم قطر المقبل. صراح أجنحة أم أجيال؟ غير أن هناك اتجاه يفترض هشاشة التوازنات الداخلية لأسرة آل ثان، ويرى وفقا لأسوأ سيناريو أنه لو وصلت رياح الربيع العربي يوما إلى قطر فإنها ستكون في قلب العائلة المالكة القطرية ذاتها (أل ثان) بين الجناح المحافظ والجناح المنفتح، أو صراع الأجيال داخل العائلة، جيل الأمير تميم وجيل المسنين أو حتى جيل "الوسط" الذي يمثله حمد بن جاسم. وربما يكون لتنحي الأمير انعكاسات أو تأثيرات على الصراع داخل الأسرة. لكن السيناريو الخاص بحدوث صراع داخلي عنيف، بحيث يتم انتقال السلطة على أساس القوة وممارسة العنف والتي يطلق عليها "الكوديللو الجديد" "ضعيف" في ظل سيطرة جناح تميم على قوات الأمن الداخلي والمؤسسة العسكرية، والمدعوم من أشقائه وشقيقاته، فضلا عن قيام الأمير السابق باجتماعات مختلفة مع أعضاء الأسرة الحاكمة وأهل الحل والعقد، والتي كان أخرها في الرابع والعشرين من يونيو الجاري.
انتقال مختلف (*) الإشكالية الثانية تتعلق بالأسلوب الذي يتم به ولاية هذا الشخص، وهو النمط السلمي، لاسيما بعد تسريبات إعلامية بشأن ضغوط أسرية تمارسها زوجة الأمير الشيخة موزة لنقل السلطة، وهو لازال على قيد الحياة، وتشير بعض الروايات أنه في ضوء تزايد المتاعب الصحية التي يعاني منها الأمير حيث يعيش بكلية واحدة تبرع بها أحد أفراد العائلة الحاكمة، إذ أن صوره تظهر أنه فقد الكثير من وزنه ووجود شحوب بالوجه، فضلا عما يثار بشأن وجود ضغوط أمريكية على الأمير لنقل السلطة. لذا، يختلف هذا النمط من انتقال السلطة عما أخذت به قطر، في تغيير الحاكم في العقود الخمسة الماضية، باستثناء التماثل مع تنازل الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، في فترة ما قبل الاستقلال، لنجله الشيخ أحمد في 24 أكتوبر 1960، وبموافقة من الأسرة الحاكمة. فقد تم عزل أحمد بن علي حاكما قطر (1960-1972)، في الثاني والعشرين من عام 1972، على يدي ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الحاكم السابق بانقلاب قصر سلمي بقرار جماعي من أعضاء الأسرة، وفي الواحد والثلاثين من مايو 1977 أصدر الأمير خليفة مرسوما بتعيين حمد بن خليفة أكبر ابناؤه وليا للعهد ولم يلق هذا المرسوم اعتراضا من الأسرة، ثم عزل الشيخ خليفة على يد أبنه الأمير حمد الحاكم الحالي في يونيه 1995. وما حدث من تداول سلمي للسلطة من الأمير حمد لولي عهده تميم يناقض، وعدم الانتظار حتى ما بعد عيد الفطر، ما أشارت إليه بعض التحليلات والتي كانت ترجح ترتيبات نقل السلطة "على مراحل" وليس "دفعة واحدة" بحيث يتسلم الأمير تميم رئاسة الحكومة في المرحلة الأولى، ثم يشغل موقع الأمير في المرحلة الثانية ويشغل النائب الثاني لرئيس الوزراء أحمد المحمود المنصب عندما يتنحى حمد بن جاسم، الأمر الذي يشير إلى الإصرار على النقل الفوري للسلطة. مستقبل حمد بن جاسم ومن المحتمل في المرحلة المقبلة أن يتم الإطاحة بحمد بن جاسم أو تحدث عملية تقليص نفوذ لرئيس الوزراء، بحيث يتم تفكيك مناصب حمد بن جاسم، بمعنى أن يظل حمد في منصبه كرئيس تنفيذي ل "هيئة قطر للاستثمار" التي تتولى التصرف في إيرادات حقول الغاز الطبيعي العملاقة في البلاد والتي تعد ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد روسيا وإيران، وإن لا يشغل منصب وزير الخارجية. بل ربما تمتد إلى اتخاذ إجراءات انتقامية تطال مصالح رئيس الوزراء والدائرة القريبة منه، لاسيما وأن الشيخ حمد بن جاسم يعتبر نفسه شريكا في السلطة، لأنه ساند الأمير السابق في انقلابه على والده. على جانب أخر، هناك اتجاه يرشح استمرار الشراكة بين الشيخ حمد بن جاسم والأمير تميم رغم بعض التغييرات في الوجوه التي قد تطرأ من أي نوع على الحكم الجديد. الانعكاسات الخليجية الإشكالية الثالثة تمس التأثيرات الخليجية والتبعات الإقليمية للتغيير في قمة هرم السلطة في قطر. فبالنسبة للتأثر الخليجي من هذه الخطوة، يأتي من زاويتين: الأولى، هي تأثير "التنحي" على بقية النظم الوراثية وكسر التقاليد المرعية والاعراف المتبعة في نظام التوريث العائلي في معظم دول الخليج وتكريس سابقة في الانتقال السلمي للسلطة من جيل إلى أخر، حيث درجت العادة على أن يتسلم ولي العهد الحكم بعد موت الحاكم، في حين يرغب أمير قطر الحالي في إيصال رسالة محددة وهي أنه "استولى على السلطة لا ليظل فيها إلى الأبد"، وهو ما يحتمل ان يعطي إشارات لدول الخليج الأخرى، والتي يتسم قمة هرمها بالطعن في السن والوهن في الصحة بإتخاذ خطوات مماثلة والرغبة في نقل سلس للسلطة إلى جيل أصغر سنا. أما الثانيةتتعلق بالتخوف من عدم حدوث تغيير في توجهات السياسة الخارجية القطرية الداعمة لجماعة الإخوان في دول الثورات العربية وكذلك في الأردن واليمن أو ما يعرف ب "الحزام الإخواني"، وهو ما يحمل مدركات تهديد لبعض الدول الخليجية مثل الإمارات وبدرجة أقل السعودية. التأثيرات الإقليمية أما التبعات الإقليمية للتغير في القيادة القطرية فهي خاصة بمدى استمرار أو تغير السياسة الخارجية القطرية النشطة في الإقليم، وهو ما تعبر عنه بعض الكتابات بتفسير "الدولة – الأمير والوزير"، بعد ارتباط السياسة القطرية بالأمير حمد ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم، خاصة وهو ما تضح جليا في قيادة جهود الوساطة الرئيسية في الصراعات الإقليمية المختلفة، والتي تشمل الصحراء الغربية ودارفور وفلسطين ولبنان واليمن وأثيوبيا واريتريا، فضلا عن قيام الدوحة ببناء شبكة تحالف إقليمية للإخوان المسلمين، وخاصة في القاهرة، لاسيما أن رفع الغطاء المالي القطري عن جماعة الإخوان من شأنه أن يزيد من المصاعب المالية بما يرفع سقف الغضب الشعبي، لاسيما وان الظهير التركي يواجه احتجاجات شعبية تجعله ينشغل بهمومه الداخلية خلال المرحلة المقبلة. ومن هنا،فإن مسألة التغييرات في القيادة القطرية تتجاوز التأثيرات على صعيد الوضع الداخلي إلى المساس بالبعد الخليجي والشأن الإقليمي. فقطر لازالت لغزا يحتاج دائما إلى فك شفرته