ل زيد الشامي فشل النظام السياسي العربي خلال قرن مضى في حمل مشروع حضاري يليق بأمة لها ماضٍ مجيد، ولم يحافظ على مقدراتها، ولم يوفر للشعوب الحرية والعيش الكريم، ، بل أصبح عبئاً ثقيلاً يجب التخلص منه، لم ينتصر في معركة، بل إنه تاجر بالقضية الفلسطينية واستخدمها بصورة سمجة لقمع الشعوب وإهدار موارد الأوطان، لم يحقق التنمية التي يتطلع لها المواطن، في الوقت الذي نهضت شعوب مماثلة وتجاوزت عتبة التخلف، وأمامنا أمثلة للنجاح الذي كان يجب على الحكام العرب الإقتداء به والنسج على منواله، مثل اليابان وماليزيا وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا… أما التقنية والتكنولوجيا الحديثة فما نزال مستهلكين لا منتجين لها فضلاً عن تطويرها، وحتى الكفاءات العلمية والفكرية لم يتم تشجيعها واستيعاب قدراتها فحطت رحالها في بلاد الغرب الذي استفاد منها أيما استفادة، وكم من العلماء العرب الأفذاذ يحققون اليوم إنجازات عملاقة في بلاد الغرب وفي مختلف المجالات!!
تلك الأسباب وغيرها كانت السبب في انفجار ثورات الربيع العربي، التي يحاول النظام القديم إفشالها وإعادة عقارب الساعة للوراء متعللاً بالحرص على الأمن والسلامة التي يهدد بذهابهما في حال زواله.
وإذا كنا لا نستغرب مواقف الغرب الحريص على أن نبقى أمة بدون مشروع، نعيش أذلة صاغرين، ونراه يعمل بدأب على دعم بقاء النظام القديم وبصورة واضحة أو مستترة، فإنما يثير الاستغراب مواقف بعض ثوار الأمس القريب الذين تخلوا عن أهدافهم في التغيير عند أول محطة للمواجهة، بل رأينا تفانيهم بدون وعي في المشاركة بإجهاض الثورة كما حدث في مصر، مع أن النظام القديم سيعزلهم عن المشهد مستقبلاً، وقد رأينا كيف ألغى الانقلابيون الحريات وكمم الأفواه وانتهك الحقوق وباشر القتل والإرهاب، ولن يسمح بأن تتنفس الشعوب عبير الحرية أو تحقق الحياة الحرة الكريمة، فضلاً عن القبول بالشراكة الوطنية وفي موقع الندية والمسؤولية وليس التبعية المهينة!
كنت معارضاً لسجن الرئيس مبارك طالما أنه قد تنازل عن السلطة، وكثيراً ما كتبت عن أن الثورة والتغيير لا يعني الانتقام، ولكن ثوار مصر جميعاً - وليس الإخوان فقط - صمّموا على وضع حسني مبارك في السجن ومحاكمته متناسين تعاطف الشعوب مع من يكون في موقف الضعيف المجرد من القوة والنفوذ، وهاهو رئيسهم السابق يخرج من السجن بحماية العسكر وفي ظل سكوت جميع الذين تحمسوا ضد النظام السابق، والذين زعموا أنهم يواصلون ثورة يناير التي لم تحقق أهدافها وما زالت في بداية الطريق...
دورات الصراع والمجاهدة والمغالبة ستستمر، ونحن أمام معركة متعددة الفصول وقد تأخذ سنوات أو عقود، والشيء الغائب عن المتعجلين والمتآمرين أن معركة الشعوب مع الطغيان والظلم طويلة ولن تتوقف، وأنها لا بد أن تقدم التضحيات ثمناً للعزة والكرامة وانتصاراً للحق والحرية والعدالة، وعلى الشعوب وطلائعها ونخبها - والإسلاميون منهم - أن يوطّنوا أنفسهم على النضال والمصابرة دون يأس أو إحباط حتى تخرج شعوبنا من حالة الركود والتخلف التي فرضها النظام القديم الذي عجز عن التجديد والتطوير، ولم يسمح أن يحدث التغيير بسلاسة وبطريقة سلمية، ورغم الدعم الذي يجده أولئك الحكام من الولاياتالمتحدة والغرب بصورة مكشوفة أو مستترة، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن المؤكد بأن الخارج يسهم في تأخير التغيير ولكنه لن يتمكن من منعه أو إيقاف مسيرة الشعوب، وسيضطر للتعامل مع أي وضع جديد حين يكتب له الانتصار. رغم الحزن على المآسي التي حدثت والشماتة التي يبديها قصيرو النظر، إلا أن المستقبل واعد بالخير، ويجب الاستفادة من تجارب الماضي واستكمال أدوات النجاح التي يأتي في مقدمتها التعايش والقبول بالشراكة والقبول بالآخر وتوعية الشعوب بحقوقها، وقبل ذلك وبعده الثقة بالله وأنه أكبر من كيد المتآمرين وطغيان المستبدين وهو نصير المظلومين وعون العاملين الجادّين في السعي نحو العيش الكريم... [email protected]