بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    ندوة في الحديدة إحياءً لذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    السامعي: حرب الكيان الصهيوني ليست على ايران وحدها وعلينا تجاوز الخلافات    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    بنسبة 20%.. تخفيض أجور النقل من ميناء عدن إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    التربية تعمم باسعار الكتب الدراسية ! (قائمة بالاسعار الجديدة)    تراجع الذهب عند التسوية مع ارتفاع الدولار    العبسي: تعرضنا للاعتداء من رجال مرور وكالوا لنا الشتائم    شؤون العشائر تدعو المواطنين بغزة للتوقف عن التوجه إلى مصائد الموت    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    إيران تطلق موجة جديدة من الهجمات وصافرات الإنذار تدوي في الأراضي المحتلة    افتتاح مشاريع خدمية بمديرية القبيطة في لحج    وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح    إخماد حريق في معمل إسفنج بالعاصمة صنعاء    برشلونة يتوصل لاتفاق مع نيكو ويليامز    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    أخر مستجدات إعادة فتح طريق رابط بين جنوب ووسط اليمن    أبو شوصاء يتفقَّد قصر الشباب ويطِّلع على مستوى الانضباط في الوزارة والجهات التابعة لها    الوزير الزعوري يناقش مع مؤسسات وهيئات الوزارة مصفوفة الأولويات الحكومية العاجلة    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    قصة مؤلمة لوفاة طفلة من ردفان في أحد مستشفيات عدن    تلوث نفطي في سواحل عدن    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    الإفراج عن 7 صيادين يمنيين كانوا محتجزين في الصومال    أمنية تعز تعلن ضبط عدد من العناصر الإرهابية المتخادمة مع مليشيا الحوثي الارهابية    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على خلية حوثية    صوت الجالية الجنوبية بامريكا يطالب بالسيادة والسلام    الشرق الأوسط تحت المقصلة: حربٌ تُدار من فوق العرب!    قرار مفاجئ للمرتزقة ينذر بأزمة مشتقات نفطية جديدة    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    وجبات التحليل الفوري!!    اتحاد كرة القدم يقر معسكرا داخليا في مأرب للمنتخب الوطني تحت 23 عاما استعدادا للتصفيات الآسيوية    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    بايرن ميونخ يحقق أكبر فوز في تاريخ كأس العالم للأندية    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    حصاد الولاء    مرض الفشل الكلوي (8)    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صنعاء : نص كلمة الحبيب عمر بن حفيظ في مؤتمر التصدي للفتن الطائفية
نشر في المساء يوم 15 - 09 - 2013

تصدر الشيخ سالم بن عمر بن حفيظ - في كلمة ألقاها بالنيابة عن والده الحبيب عمر بن حفيظ- في افتتاح مؤتمر التصدي للطائفية بصنعاء صباح اليوم على ضرورة التعايش والتسامح بين أبناء الأمة الواحدة..
محذراً من خطورة الفتن الطائفية وآثارها على النسيج الاجتماعي بين أبناء الأمة الإسلامية.
نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خيرِ مَن يهدي ومن يدُل، وصلى الله وسلَّم على حبيبه المصطفى أكرم داعٍ وخير هادٍ ختم اللهُ به الرسل، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه من ساروا في خير وأقوم السبل. ولقد تركنا رسول الله على المحجَّةِ البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فنسأل الحقَّ أن يسلكَ بنا أشرفَ المسالك.
أما بعد فإلى إخواننا المشاركين في مؤتمر رابطة علماء اليمن:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وقد استقبلنا شهرَ ذي القعدة الحرام حيث توجُّهات هذه الأمة لإقامةِ شعائر فريضة الحج الركن المعظم من أركان الإسلام، فلنأخذ ونحن في هذه الأحوال والظروف الواقعة في الأمة المحمدية من سرِّ هذا الاجتماع فريضةً كبرى فرضَها الله على الفرد والجماعة في الأمة، وحصل من التقصير فيها والإغفال لها وعدم القيام بشأنها كثير وكثير من الأنكاد والبلايا والشدائد،
ألا إنها فريضة الاجتماع والوحدة والتعاون والتكاتف والتكامل والتكافل،
التي تترجمها فريضةُ الحج في اجتماعِ الناس في صعيدٍ واحد، على شعارٍ واحد، متوجهين إلى الربِّ الواحد، مستقبلين لبيتٍ واحد، مُقتدين بإمامٍ واحد هو أمجد الأماجد سيد كل راكعٍ وساجد.
وحدة أهل الدّين، هدف من هدف من أهداف الشريعة المطهرة وغاية من غاياتها السامية ، لكن ما معناها؟
يظنُّ بعض النّاسِ أنَّ معنى اتحاد المسلمين: أن لا يبقى رأيٌ أصليٌّ ولا فرعيٌّ في أي قضيّة مِن القضايا الظاهرة ولا الباطنة إلا وهم مجمعون عليه.... هذا ما كان ولن يكون، وليس هذا معنى الوحدة، ولا معنى اتحاد الأمَّة.
الوحدة التي بُعث بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم ووحّد بها قلوب أصحابِه، وقد كانوا في حياتِه يختلف رأيهم واجتهادهم في فرعيّات أحكام الشريعة، عن أهليّة ونظرٍ وتمكّنِ فيُقرّ الجميعَ.
فمعنى الوحدة في هذا الدّين: أن نعلم سرَّ التّنوُّعِ المشروع اللائق ببديع حكمة الله تعالى في التشريع، هذا التنوع المشروع في الشؤون المُباحات وفي قضايا الاجتهاد فيما أوكَل الحقُّ الاجتهاد فيهِ إلى المؤهّلين المُهيَّئينَ مِن الأمّةِ، { وَلوْ رَدُّوه إلى الرّسُولِ وإلى أُلِي الأمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الّذينَ يّسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ
وحدة الأمّة: فقهُ كلِّ ذي فرعية من الفرعيات أنه على رابطةٍ في الأصل مع صاحِب الفرعيّة الأخرى، وأنَّ له عليهِ حقَّ الاحترام، وله عليهِ حقُّ الإكرام، وله عليهِ حقُّ النُّصرة والأخوّة الإيمانيّة.
فهذه هي وحدة الإسلام، ووحدة المسلمين، ووحدة الذوق والشّعور وعليها تُبنى وحدة الأمّة.
وفي هذا الأمر يجب التنبه إلى مهمات الفرد المسلم في شأن هذه الوحدة التي قال عنها الله في كتابه ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ).
ولنعلم أنواع الخلل الذي حصل في القيام بواجب هذه الوحدة فرادى وجماعاتٍ في الأمة المحمدية،
وقد بيَّنت الشريعة المطهرة خطرَ الإخلالِ في القيام بواجب هذا الإتحاد على مستوى الأفراد والجماعات، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ردِّ أعمال الإنسان وأنواع عباداته إذا كان يحمل في قلبه الشحناءَ على فردٍ واحدٍ من المسلمين، فكيف إذا جاوز ذلك بإطلاق اللسان في القول في الحطِّ منه، والنَّيل مِن كرامته وعِرضه، وفي هذا جاء ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ))
وكثير هي العوامل التي تؤدي الى إقامة الوحدة بين الأمة وتقوي معناها، من اهمها ظبط ما يضدر من الاسن ولقد قال سبحانه وتعالى في كتابه {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ...}. إشارةٌ إلى أثر القول في إثارة الفتنة والشرور والتنازع والتخاصم بين الناس، وقال تبارك وتعالى {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً...}. وقال سبحانه وتعالى {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
بين الله ذلك ليكون للعقلاء وأولي الألباب اعتبارٌ بهذا التشريع الإلهي، فيُحسنون النظرَ فيما يصدر منهم من أقوال وأفعال،
ولقد جعل الله تبارك وتعالى للموسم العظيم ولفريضة الحج والشعيرة المعظمة كما أشرنا سابقا؛ منافعَ وخيراتٍ ودروساً وعبراً كثيرة، ومنها حكمة اجتماع الأجساد في مكان واحد، وتحت شعار واحد، وتأثير ذلك على اجتماع القلوب، وإقامة الأساس الذي يحسن ويطيب ويتم ويكمل به الاجتماع والترابط والتآخي، وهو أساس التلبية لله، والاجتماع على إجابة نداء الله، والطلب لمرضاة الله.
وإذا اجتمع القلب على الله تبارك وتعالى؛ أورثَ ذلك تطهُّراً في ضمير الإنسان ونيته ومقصده عن كل ما يخالف الشرع، وعن أن يُؤسَر لأي غرض أو مطمع يؤدي إلى بُغض الخلق بغير وجه الشريعة، أو إلى إيصال الأذى إلى أحد منهم، أو إلى حسد أحد منهم أو الحقد أو التكبر عليه، أو غشه أو خيانته.
فالتنزه عن هذه الأمور أصل عظيم في إقامة وحدة المسلمين وتآخيهم وترابطهم واجتماع كلمتهم
فعلى أهل الملة أن يأخذوا النصيب من هذه المنافع والحِكم والدروس المهمة في هذه الشعيرة؛ وليأخذ كلٌّ معنى التنزه عن تلك الصفات المؤدية إلى تشتيت وحدة المسلمين وتفريق صفهم، وليبعث من باطنه حرصاً بالغاً شديداً على أن يسهم في وحدة أهل هذه الملة وفي اجتماع كلمتهم،
متفرِّعاً كلُّ ذلك عن اجتماع قلوبهم على إجابة نداء إلههم وخالقهم، تحت راية الائتمام بنبيِّهم وهاديهم ومرشدهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
مستعملاً في تحقيق ذلك وسائل تَنَزّهِه في الباطن عن الأغراض التي تحمله على سوء الظن، أو على سوء المعاملة، أو على استتباع خاطر حقد أو حسد، أو كبر أو غش، أو إيصال أذى لمسلم.
. وينبغي لأهل هذا المسلك أن لا يسمحوا لمختلف الحوادث في الحياة أن تصدهم عن هذه الأصول والأسس الثوابت التي لا تتغير.
إن ما هو قائمٌ بين الناس مما يقتضي التنازع والتخاصم والتشاتم فتنٌ كقطع الليل المظلم، لم يهمل ذكرَها صاحبُ الرسالة ولم يخلِّ النصيحة فيها ولمن يدركها من أمته صلى الله عليه وسلم.
فالمرحلة التي نمر بها من جملة المراحل التي تحمل أنواعاً من الفِتن الصماء العمياء الدهماء،
ومع ذلك ففيها نورٌ مضيءٌ لمن أراد أن يستضيء، وفي هذا النور المضيء أسرارُ نصرِ الله للنبي محمدٍ الصادق خير الخلائق صلى الله عليه وسلم، وفيها حصادٌ لكثير من رؤوس الشر والفتنة، وفيها مع ذلك حِكَمٌ لله تبارك وتعالى،
لكن المستضيء بهذا النور، يعبر عمرُه على حال حَسَنٍ صالح، وعمل مبرور، وسعي عند الله تعالى مشكور، فهو رابح، وفائز وظافر.
وقد جاء في رواية الإمام أحمد وأبي داود والحاكم وابن ماجه والبيهقي عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( إن بين يدي الساعة فتنًا كقطعِ الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي: فكسِّروا قسيِّكم وقطِّعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دُخل على أحد منكم بيته فليكن كخير ابني آدم ) وزاد أحمد وأبو داود: قالوا: فما تأمرنا؟ قال : كونوا أحلاسَ بُيوتِكم ».
أنجد أنصح منه؟ أم نجد بياناً أفصح من بيانه؟
إنه أشجع الخلق، وأكرم الخلق، والذي علَّم الناسَ تقديمَ الأنفس والأموالَ لله خالصةً مخلصة نياتهم، طيبةً بها قلوبُهم ونفوسُهم، يبين هذا البيان ويقول أُبعدوا عن استعمال الأسلحة، فليس الوقتُ وقتَها، ولا المجال مجالها، وليست مؤديةً إلى خير.
وقال عليه الصلاة والسلام عند ذكرِ الفرق والافتراق والتباعد بين الناس: (فالزم إمامَ المسلمين وجماعتَهم
قال الصحابي : فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟
قال (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت) رواه البخاري،
وجاءنا عنه صلى الله عليه وسلم: ( تكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، هم مِن جِلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) ا
فقال له السائل فما تأمرنا يا رسول الله؟
قال: (الزم إمامَ المسلمين وجماعتَهم)
قال : فإن لم يكن إمام ولا جماعة؟
قال : (فاعتزل تلك الفرق كلَّها) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وتتابعت الأحاديث منه، في بيان الواجب في تلك الأحوال وعند ذلك الاشتباك الذي يحصل بين الأمة، وهو أجلى ما يكون في عصرنا الذي نعيش فيه،
وانظر إلى الروايات التي وردت في شأن هذا الاشتباك بين الخلق، يقول صلى الله عليه وسلم للصحابي سهل بن سعد: (كيف بك إذا بقيتَ في حُثالة من الناس قد مرجَت عهودُهم وأماناتُهم واختلفوا فصاروا هكذا- وشبك بين أصابعه-؟ )
قال: الله ورسوله أعلم
قال: ( اعمل بما تعرف ودَع ما تنكر وإياك والتلوُّن في دين الله، وعليك بخاصَّة نفسك ودَع عوامَّهم ). رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثِقات
ان مصيبةُ الأمة أن يطلبوا حقيقةَ الدين من عند غير النبي محمد، من أهوائهم، أو من عصبيَّاتهم، او ممن اتخذوهم في دين الله تعالى قادة على غير بصيرة، والعياذ بالله تبارك وتعالى
فقد نصَّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه في تلك الفتن تُعمر المساجد وهي خاليةٌ من النور والهدى، ويكون علماء فيها قادة الفتنة وسببها
روى الحاكم في التاريخ عن ابن عمر والديلمي عن معاذ والبيهقي في الشعب عن باب مدينة العلم علي ابن أبي طالب ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( سيأتى على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه يتسمون به وهم أبعد الناس منه مساجدهم عامرة خراب من الهدى فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)
وقد روي هذا أيضا موقفا على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب
.
أيها الحاضرون: ليس الذي يدعو إلى حقيقة ما يحبه الله من ادعى أنه المخلِّص ولا من ادعى أنه المنقِذ ولا من ادعى أنه الفاهم ولا من ادعى أنه الواعي، ولكن مَن يمتلئ القلبُ برؤيته وسماعه خشيةً من الله، وإنابةً إلى الله واستشعاراً لقُرب الأجل والموت والحساب العظيم عند الله تبارك وتعالى، أولئك الذين تورَّعوا عن الدماء وعن الأعراض وعن الأموال، وخافوا من الله تعالى مخافةً ظهرت آثارُها على تعاملِهم، هم الذين يدلُّون، وهم الذين يرشدون، وهم الذين يصدقون مع الله، ويصدقون مع خلقِ الله،.
ثم إن الجهاد في سبيل الله على أوضح حالاته، لو قام فدخل في النية ذرّةٌ من قصدِ غير الله ضاع صاحبُه، قال صلى الله عليه وآله وصحبه: (من غزا وهو ينوي عقالاً فله ما نوى) رواه أحمد والنسائي والطبراني والحاكم،
فكيف إذا كان الأمر ليس بواضح القيام فيه على حقيقةٍ من الدين ولا حقيقةٍ من النور ولا حقيقة من الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى إلا ما يدَّعيه أصحاب كلُّ طائفة أنهم مجاهدون ضد طائفة أخرى.
فلا يكون العالم في ذلك طرفاً من الأطراف يقضي به الكافر والفاجر غرضَه، أو يتَّخذه جسراً لينال شيئا من مُراده، ولا بلَّغ الله أعداءه مُراداً فينا ولا في أحدٍ من أهل الملّة، ولا في أحد من أهل القِبلة.
ويجب أن تتألم القلوب أن أصبح أهل هذا الدين العظيم عُرضةً لأن يُسيَّروا ويُدبَّروا من قبل قُوى الكفر ليُضعِفوا بعضَهم البعض، ويؤذوا بعضَهم البعض، ويقتلوا بعضَهم البعض، ويتطاولوا على بعضهم البعض، ويسبُّوا بعضَهم البعض،
فمن الذي أباح لهم ذلك؟ ومن زيَّنه لهم؟ وعلى أي أساس يقيمونه؟
أيها المؤمنون: أمانة في الأعناق يجب أن تُؤدَّى، أن يُرثى حالُ الأمة التي اجتمع عليها عدوُّها كما تجتمع الأكلةُ على قصعتها من الطعام، يتناوشونها ويتهاوشونها ويفرِّقون بينها،
ونحن اليوم نرى من اهل الكفر من يتحدث عن احوال المسلمين وما يدور بينهم كأن الأمرَ تحت دولتهم وفي محلِّ حكمهم، وشؤون المسلمين كأنها تحت حكمهم وفي أمرهم، يتشاورون هم فيها، بل يصرّحون تصريحاً واضحاً بيِّناً، ويقول قادتهم "إنا سنتصرف في الحادثة الفلانية والبلدة الفلانية حسب ما تقتضيه المصلحة العليا لنا!" مصلحتنا العليا ومصلحة بلادنا العليا.. قادتهم يقولون هكذا، ويبرزونه للناس،
افنكون نحن جسورا لإنفاذهم، ولوصولهم الى مصالحهم التي فيها ما يناقض أمرَ الدين من أصله وأمر الملة كلها أو يهدف إلى إيذاء المسلمين وضعفهم، وهم يصرحون بهذا وفينا من يقول لهم أغيثونا؟ وتفضلوا إلى بلداننا؟ والى إخواننا وقطّعوا الرقاب واضربوا البنيان وهدّموا وسط ديارنا وبلداننا؟ ما أعظمها من فتن.. جلَّى اللهُ عنا هذه المحن ورفعَ الشر.
إن دعواتِ التنازع هي دعواتُ الفشل ودعواتُ الهزيمة، ولكن دعوة محمد هي دعوة النجاح ودعوة النصر، وإنه بالقلوب التي تُصغي لهدي محمد ولندائه في هذه الأمة، يستمر نزولُ الرحمات واللطف من الله في الشدائد والملمَّات، وتأخذ الفتن من تأخذ، ويأتي بعدها فرجٌ لا ريب فيه ولا شك من الله العلي العظيم القوي، لقومٍ لا يستندون إلى شرق ولا إلى غرب، ولا إلى حكومات ولا إلى غيرها، بل إلى الله يستندون، وعليه يعتمدون، وفي سبيله يقاتلون، لا تحملهم لذلك عصبية ولا رأي ولا حزبية ولا إرادة سلطة ولا إرادة مال ولا غير ذلك.
سُنة الله سبحانه وتعالى قد مضت في عباده، وينصر الله من يشاء، ويؤيد من يشاء وإن العاقبةَ للمتقين وحدهم، لا نصيبَ لسواهم فيها مهما خططوا ومهما دبروا، لكنه قد انتزع من كثير من القلوب الإيمان بالله ورسوله، وما قال الله ورسوله، إلى الإيمان بالخطط والإيمان بالمخططين وكأنهم الفعَّالون، وإن الفعَّال لما يريد واحد، هو يبدئ ويعيد (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)
فلنجتمع على الرأفة والرحمة بمَن وقع في الشدائد ووقع في النكبات، ونأخذ ما نعرف من إنقاذٍ نستطيعه، ومن إمدادٍ نستطيعه، ومن دعاءٍ نستطيعه، ومن دعوةٍ نستطيعها، ومن مساعدةٍ بيِّنة واضحة، ليست طرفاً في النزاع ولا سبباً لتوسيع نطاقه بين العباد والأتباع، مستعينين بالله تعالى مسترحمين له في إخواننا الذين وقعوا في فخِّ تسليطِ الأعداء وتسييرهم لهم في أمورهم، واتخاذهم جسوراً يعبرون عليها.
وإن في الأمة من ينطوي عليه الأمر وتنطوي عليه الحيلة، وإنهم لا شك على نياتهم سوف يُحشرون، إلا أنه لا معنى للتمادي بعد ظهور الآيات ووضوح الدلائل من خاتم الرسائل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومع ذلك كله فمن انطوى عليه الأمر فالحال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في من يُخسَف بأولهم وآخرهم (ويُحشرون على نياتهم) إلا أن طالب الحق لا يجد شحاً في موارد البيان عن الرحمن ورسوله المصطفى من عدنان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خلفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالِين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه البيهقي وابن عساكر، يصير صافياً نقيّاً كما بلَّغ النبي الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
نسأل الله الهداية لعلمائنا ولأمرائنا ولأغنيائنا ولفقرائنا ولحكوماتنا ولشعوبنا وللأمة في المشرق والمغرب إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؛ اللهم ثبِّتنا على المتابعة للنبي الأمين، وسِر بنا في دربه، واسقِنا من شربه واجعلنا في حزبه وأدخِلنا في دائرة أهله وصحبه، ولا تفرق بيننا وبينه في الدنيا والبرزخ والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، ومُنَّ علينا بما مننتَ به على رعيلنا الأول حيث خاطبتَهم بقولك (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ* فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
اللهم وفقنا لما تحب واجعلنا في من تحب وأصلح الشأن كلَّه، وادفع عنا السوءَ وأهلَه ، واجعلنا هادين مهتدين ، وأصلح شئونَ المسلمين، واجمع قلوبَهم على ما تحب وترضى يا رب العالمين
واحفظ اللهم اليمن من الفتن ما ظهر منها وما بطن واحفظ الحرمين الشريفين وسائر بلاد المسلمين أجمعين
واغمر بالفضل وواسع الجزاء من أقام هذا المؤتمر ودعاء اليه واكتب ذلك في ميزان حسنات الجميع
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.