لم تبادر أية جهة، حزبية كانت أو مستقلة، إلى استيعاب اللحظة التي صنعتها حركة الاحتجاج الجماهيري في اليمن، خلال العام 2011، ثم الاستجابة للتحديات التي حملتها تلك اللحظة، تجسيدا للإرادة الشعبية المطالبة بحزم وعزم بتغيير النظام القائم والحاكم منذُ 33 عاماً، فلم نرَ حتى الآن من يحاول أن يبادر إلى بيان ملامح النظام البديل وكيفية إحلاله محل النظام المنهار. المبادرة التي تحولت إلى اتفاقية للتسوية بآلية تنفيذ مزمنة، تحولت إلى تسوية أوضاع وظيفية ومصالح خاصة بين أطراف الصراع والتسوية، وتأجل, زمنياً واهتماماً, ما تحدد من مهام فترتي المرحلة الانتقالية المحددة بعامين، واقتصرت التهيئة للحوار الوطني على لجنة تواصل ولقاءات دون مقاربة جدول الأعمال بأي مؤشرات على الأولويات والإطار الزمني. حتى لا نتوه بعيداً عن المقاصد المحمولة على عنوان المقال، نقول إن أحداً لم يقدم حتى الآن تصوره للتعديلات الدستورية المطلوبة لتطوير النظامين: السياسي والانتخابي، فإذا برر ذلك قارئ بالقول إن أمراً كهذا متروك لمائدة الحوار الوطني، قلنا إن الانتفاضة الجماهيرية تستحق التنوير بما يراه قادة الرأي العام محققاً لمطلبها المحدد ب"تغيير النظام". نحن نعرف ما هو عليه اختلاف القوى السياسية اليمنية حول طبيعة الدولة المراد بناؤها بين "الدينية" و"المدنية"، وحول النظام السياسي بين "الفيدرالية، واللامركزية"، أو بين "الرئاسي والبرلماني"، وقس عليه ما يتصل بهذا حول النظام الانتخابي الذي ستجرى بمرجعيته انتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية، فلماذا تأخر كل هذا؟ لا ندري، غير أن الواضح من الحراك السياسي بين القوى والأحزاب الممثلة بالتسوية، يشير إلى أن مطلب التغيير قد أزاحته يد الغدر الى ما تريده القوى المحركة لها من نظام يبقى، وإن أزيح من رأس هرمه اسم رئيسه السابق، سيعاد بناء التوازنات بحيث إذا أعاق مسؤول ما حركة مصالح أحد النافذين داخل النظام الرسمي أو خارجه، تحركت قوته لتفرض على الدولة تسوية الخصام بين أطراف التأزم حول الخطف أو تخريب شبكة الطاقة المحددة بالنفط والغاز.